اقتصاد

حساء الحريرة بمذاق الأمانة وطعـم الجودة!

| د. سعـد بساطـة

الكثير منا يمر في مؤسسته بمواقف عـويصة تضعه أمام خيارات صعبة، وهنا يكون عامل الحسم هو ما المعيار الأهم بالنسبة لك كصانع للقرار؟ هل المكاسب السريعة القصيرة المدى أم القيم والمكاسب الإستراتيجية الطويلة المدى؟ هل ستقدم الربح المادي أم الجودة والمصداقية؟

حساء الحريرة المغـربية عـبارة عـن خلاصة مزيج من الخضروات والحبوب والتوابل المنوعـة؛ وهذا يمنح هذا الحساء مذاقاً شهياً ورائحة عـبقة؛ نتيجة التوابل الغـنية بالزيوت الطيارة. وهو أقرب إلى يخنة الخضروات والحبوب؛ نظراً لقوامه وكثافة محتوياته.

أنقل هذه القصة – عـلى ذمة صديقي راويها «مع تحوير ببعـض الأسماء»: في أحد الأيام كان صاحب المحل المراكشي الذي يتجمع عليه الكثير من الزبائن يومياً مستيقظاً من ساعـات الصباح الباكر ليجهز الحساء الذي يأخذ وقتاً طويلاً لإعداده عبر خطوات عـديدة تتضمن إضافة مرق اللحم وخضروات ونكهات مختلفة يتميز بها كل محل عن الآخر.

وفي خضم العمل قام أحد العمال بقلة انتباه بإسقاط القدر الذي فيه الحساء الذي انسكب على الأرض. هنا كان أمام صاحب المحل قرار صعب ليتخذه، إما أن يستعجل ويحاول تجهيز حساء جديد بسرعة ويقدمه للزبائن ولكن سيكون طعمه مختلفاً وبجودة أقل، وإما ألا يبيع أي شيء في ذلك اليوم. ومن دون تردد قرر صاحب المحل أن يضع ورقة على الباب وكتب فيها: «لقد انسكب الحساء الذي كنا أعددناه اليوم، ولذلك قررنا أن نغلق المحل ونأخذ إجازة من العمل هذا اليوم».

قد يستسهل البعض هذا القرار. ولكن لو فكرت في الأمر ملياً فصاحب المحل خسر مبيعات يوم كامل رغم أنه سيظل يتحمل تكاليف الإيجار والعمال لذلك اليوم. وفي مثل هذا القطاع مبيعات كل يوم تلعب دوراً مهماً في نجاح المشروع التجاري. ولكن بالمقابل لو قرر أن يبيع الحريرة في ذلك اليوم بحساء تم إعداده على عجالة وبجودة ضعيفة، فربما سيستطيع أن يحقق بعض المبيعات في ذلك اليوم ولكنه سيخسر زبائنه ومصداقيته. والزبون الذي مر بتجربة سيئة كهذه من الصعب أن يعود إليك مرة أخرى.

بالمقابل، فلو كنت زبوناً لهذا المحل وقرأت هذا الورقة فسأقدر صاحب المحل وتزداد ثقتي به واحترامي له وسأحرص على أن أتحدث عنه أمام أصدقائي ومعارفي.

في الواقع، البعض منا قد يطلق على هذا التصرف من صاحب المحل إدارة الجودة والبعض الآخر ينظر إليه من منطلق البراند وقيم الشركة أو المنظمة والوعود التي تمنحها للمستهلكين والزبائن لبناء مشاعر جيدة وإيجابية تجاه المنتج أو الخدمة. شخصياً أميل إلى أن أسميها بكل بساطة: الأمانة!

قد لا ينسكب حساء الحريرة، ولكن قد تكون هنالك مغريات وطرق ملتوية، وقد يكون هنالك غدر وظلم. في كل الأحوال سر على الطريق المستقيم واختر ماهو صواب وما يريح ضميرك.

باختصار؛ تعـريف للجودة لصانع السيارات الشهير «هنري فورد»: (الجودة تعـني أن تقوم بما يجب عـليك؛ دون أن يراقبك أحد)!

في الختام، لو انسكب الوعـاء، فإياك أن تبيع الحريرة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن