قضايا وآراء

المحور المحاصر

| مازن جبور

المحور محاصر، صفة تبدو سلبية، تعطي انطباعاً تشاؤمياً حيال بلاده، محور المقاومة، انطلاقاً من روسيا وصولاً إلى إيران فسورية، صفة عامة يمكن إطلاقها على محور كامل يدافع عن قيم ومثل عليا لعالم متوازن تحكمه القيم والقوانين والمثل العليا، في مواجهة الازدواجية والعنصرية والنزعات المادية والفردية وقيم التجارة الحرة التي تسير في نهجها الدول المعادية لهذا المحور، على اعتبار أن النيوليبرالية المعادية للمجتمعات المحافظة والأديان هي إيديولوجية تلك الدول.

صفة المحاصر التي يمكن وصف المحور بها تبدو عامة وشاملة، وهي نتاج انتفاض دول المحور وتكاتفها للدفاع عن قيمها ومبادئها الدولية، وأخلاقيات وقيم مجتمعاتها، وهو ما يؤكد أهم قيمة لديها، وهي قيمة التشاركية، من خلال التشارك بين دول المحور ومجتمعاته في تقاسم المصائب والآلام وحالات الضيق التي تعصف بها، إذ إن الألم واحد تتقاسمه شعوب تلك الدول، لذلك لا يمكن النظر إلى الوضع الأليم الذي تمر به سورية على أنه ليس فقط حالة فردية، إنه جزء من محور يدافع عن هويته ووجوده، ويبحث عن تعميم قيمه على المجتمعات والدول الأخرى.

إن الأحداث الكبرى في التاريخ هي أحداث مركبة يتداخل فيها أكثر من عامل، بدءاً من العامل السياسي والاقتصادي والجغرافي، مروراً بالعامل الاجتماعي الذي يكون المحرك لتلك الأحداث والأكثر تأثراً بتداعياتها التي تعم الدول والمجتمعات، ومن هنا فإن ما يجري في سورية وروسيا وإيران، ليست أحداثاً منفردة، وإنما سلسلة من الضغوطات الغربية، التي تستهدف مجتمعات تلك الدول ذات القيم المحافظة.

إذاً، القضية تتعلق بتدمير النفس البشرية بالكامل عبر نظريات عنصرية خطرة، مثل المثلية وما إلى ذلك من أفكار هدامة، فالولايات المتحدة اليوم تعادي جميع الأديان والقيم والمعتقدات، كما أن نظامها معادٍ لجميع المجتمعات المحافظة وقيمها.

روسيا اليوم ليس لها سوى حليفين هما: الصين والشرق الأوسط، ولعل التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط دفعت حلفاء أميركا التقليدين إلى تغيير سياساتهم ومحاولة التوجه شرقاً إلى روسيا والصين، فالعلاقة مع روسيا ستشكل بالنسبة إلى دول المنطقة، أولوية، على العلاقة مع الصين، لأن دول المنطقة تعيش حالاً من عدم الاستقرار السياسي، وتعاني معضلة أمنية مزمنة تحتم عليها البحث عن حليف، وليس عن تاجر فقط، وهذا ما لا تستطيع بكين القيام به على المدى المنظور.

يبدو أن الصين ما زالت غير متحمسة للانخراط في الأزمات الدولية، لذا، قد تبدو مترددة في الانخراط بمشكلات الشرق الأوسط المستحيلة الحلّ من وجهة نظر بكين، وخصوصاً ما يتعلق منها بالصراعات الدينية والعرقية، فهي صراعات تاريخية وقودها غياب العقل، والانتماءات دون الوطنية، والولاءات الضيقة، وغياب الدولة الجامعة المانعة القوية القادرة على بناء مجتمع حقيقي أساسه المواطنة واحترام المعتقدات.

ولعلَّ جميع الدلائل تشير إلى أن المعركة الوحيدة التي خسرتها دول المحور منذ البداية، هي الحرب الإعلامية، فالإعلام الغربي ما زال مسيطراً على المشهد الإعلامي العالمي، وهو المؤثر في توجهات الناس والمتحكّم في صناعة الرأي العام لديهم، وهو يتقن دوره كإعلام ما بعد الحداثة، إذ تحوّل من ناقل للحدث إلى صانع للحدث نفسه، عبر نشر الأكاذيب والإشاعات التي بدأت منذ اليوم الأول للحرب، عبر الحديث عن محاولات انقلابية في موسكو، أو الترويج لإشاعات تتحدث عن الحالة الصحية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يبدو أنَّ معظم العالم ضد هذا المحور، لكن ذلك لن يؤثر في عزيمة دوله وإيمانها بعظمتها وحتمية استعادتها دورها ومكانتها الطبيعية في أقاليمها والعالم، فالحدث ليس مع روسيا وسورية وإيران وضدها فقط، بل دفاعاً عن العالم كله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن