قضايا وآراء

انخفاض قيمة العملات وأزمة الغذاء والطاقة

| الدكتور قحطان السيوفي

يؤدي انكماش قيمة العملات في معظم دول العالم وخاصة الدول النامية، إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود على نحوٍ يفاقم أزمات الغذاء والطاقة التي أججتها الحرب الأوكرانية والعقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا.

البنك الدولي في آخر تقرير له، ذكر أن أسعار معظم السلع الأولية محسوبة بقيمة الدولار تراجعت عن مستويات ذروتها بفعل المخاوف من ركود عالمي وشيك، ومنذ الحرب الأوكرانية في شباط 2022 حتى نهاية تشرين أول الماضي، انخفض سعر نفط برنت الخام مقوماً بالدولار نحو 6 في المئة، لكن بسبب انخفاض قيمة العملات، فإن 60 في المئة من اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية المستوردة للنفط، شهدت ارتفاع أسعار النفط بالعملة المحلية في خلال هذه الفترة، وشهد نحو 90 في المئة من هذه الاقتصادات أيضاً زيادة أكبر في أسعار القمح بالعملات المحلية مقارنة بزيادة الأسعار بالدولار.

يؤدي ارتفاع أسعار سلع الطاقة الضرورية للإنتاج الزراعي، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخلال الأشهر التسعة من 2022، بلغ معدل تضخم أسعار المواد الغذائية في منطقة جنوب آسيا في المتوسط أكثر من 20 في المئة، أما معدل تضخم أسعار الأغذية في الدول النامية الأخرى فقد تراوح في المتوسط بين 12 و15 في المئة.

تتعرض التنبؤات بانخفاض أسعار السلع الزراعية للعديد من المخاطر:

أولاً، تعطل الصادرات من أوكرانيا أو روسيا قد يؤدي مرة أخرى إلى انقطاع إمدادات الحبوب العالمية.

ثانياً، إذا واصلت أسعار الطاقة مزيداً من ارتفاعها، فإنها قد توجد ضغوطاً صعودية على أسعار الحبوب وزيوت الطعام.

ثالثاً، قد تؤدي الأنماط المناخية غير المواتية إلى تقلص غلات المحاصيل الزراعية.

الحرب الأوكرانية ألقت بظلالها على ثلاث أسواق رئيسية، وهي الأغذية بما فيها علف الحيوان، والوقود المستخدم للآلات الزراعية، وأخيراً الأسمدة.

وسببت الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا أزمة غذاء عالمية حادة ألقت بظلالها على ملايين المستهلكين، ووصلت حالة الأمن الغذائي في العالم إلى منحدر غير مسبوق.

كما شهدت أسعار الطاقة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية تقلبات كبيرة، وبعد ارتفاع أسعار الطاقة نحو 60 في المئة في 2022، فإن أسعار الطاقة العام المقبل ستكون أعلى بنسبة 75 في المئة عن متوسطها في الأعوام الخمسة الماضية.

ومن المتوقع أن يبلغ سعر خام برنت في المتوسط 92 دولاراً للبرميل في 2023 وبحلول 2024، من المتوقع أن تبلغ أسعار الفحم الأسترالي والغاز الطبيعي الأميركي ضعفي متوسطاتها في الأعوام الخمسة الماضية، أما أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية فقد تزداد بأربعة أضعاف تقريباً.

وتواجه أسواق الطاقة احتمال اشتداد المخاوف بشأن إمدادات المعروض، إذ إن المخاوف حول مدى توافر إمدادات الطاقة خلال فصل الشتاء المقبل ستزداد في أوروبا، وقد يؤدي ارتفاع أسعار منتجات الطاقة عن المستوى المتوقع، إلى ارتفاع أسعار السلع الأولية، ولاسيما المواد الغذائية، ما يطيل أمد التحديات المرتبطة بانعدام الأمن الغذائي.

حذرت مجموعة البنك الدولي من مخاطر انخفاض قيمة العملات وبخاصة في معظم الدول النامية، باعتبارها تفاقم أزمة أسعار الغذاء والطاقة في العالم، مشيرة إلى أن غلاء السلع الأولية قد يطيل أمد الضغوط التضخمية.

وفي أحدث إصدار من نشرة «آفاق أسواق السلع الأولية»، أشار البنك إلى أن أسعار معظم السلع الأولية المحسوبة بقيمة الدولار قد تراجعت عن مستويات ذروتها بفعل المخاوف من ركود عالمي وشيك.

وأوضح رئيس الخبراء الاقتصاديين لشؤون النمو للبنك الدولي أيهان كوسي أن «تضافر عوامل ارتفاع أسعار السلع الأولية والتراجع المستمر لقيمة العملات سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم في كثيرٍ من البلدان».

قال المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة «الفاو» شو دونيو، إن «المنظمة تشعر بقلق عميق إزاء الآثار المترتبة على الأزمات المتداخلة التي تهدد قدرة الناس على إنتاج الأغذية والحصول عليها، ما يدفع بالملايين إلى مستويات قصوى من انعدام الأمن الغذائي الحاد».

في الدول النامية على الحكومات اتخاذ مجموعة من السياسات من أجل تعزيز إمدادات المعروض، وتسهيل التوزيع، ودعم الدخول الحقيقية وثمة حاجة إلى إجراء تغييرات في السياسات المالية والنقدية والمناخية وسياسة الديون، لذلك يتعين على الحكومات التروي وتوخي الحذر في تحديد سياساتهم النقدية والمالية، والإفصاح بوضوح عن خططهم، والتأهب لمواجهة فترة قد تشهد مزيداً من التقلبات في أسواق المال والسلع الأولية العالمية.

التحذيرات الصادرة عن منظمة الأغذية العالمية «فاو» والبنك الدولي تشير إلى تدهور ملايين البشر إلى خط الفقر والهجرة، وتدهور الأوضاع السياسية بين الدول، من التحالفات إلى الصراعات، حيث ستحاول كل دولة تأمين كفايتها أولاً، وقد يشير كل ذلك إلى انطلاق عجلة نظام عالمي جديد يعيد النظر في أولويات وطرق تأمين الغذاء العالمي والطاقة بأسعار تخفف من بؤر الفقر، ويبقى العالم مهدداً بمخاطر انخفاض قيمة العملات وتفاقم أزمة الغذاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن