من دفتر الوطن

ماء على البلاط!!

| عصام داري

أقف على خط التماس بين الحكومة والناس، وبشكل أكثر دقة أقف على خط الحياد، فلن أدافع عن قضايا الناس، ولن أنضم إلى صف الحكومة ومنظومتها الفكرية والإعلامية والسياسية والاقتصادية!

كنت أظن أن الدفاع عن قضايا المواطن سيقربني من الناس أكثر، وأنني حين أنتقد سياسات الحكومة ستكرهني أكثر، وبعض الظن إثم، فلا أنا اقتربت هنا، ولا أنا صرت مكروهاً أكثر من الحكومة، وبقيت الأمور على حالها، بدليل أن الحكومة لم ترد على كتاباتي خلال سنوات طويلة، وأن المواطن صار يخشى أن يعبر عن تأييده ولو بكبسة الإعجاب (أي اللايك).

الناس تخاف من كتاباتي مع أنها تؤيدها في السر، بل إن أقرب الناس إليّ ينصحني بعدم الكتابة بالخط الأحمر وبحد السكين على قول شاعرنا نزار قباني.

هؤلاء الذين ينصحونني بعدم الاقتراب من عش النسور ووكر الأفاعي يخافون على أنفسهم أكثر مما يخافون عليّ، لاعتقادهم أن قربهم مني أو صداقتهم لي قد تعرضهم للمساءلة والسين والجيم!

أمام هذا الوضع سأبقى منذ اليوم على الحياد، وباللون الوردي، فسأكتب عن أحوال الطقس البارد جداً هذه الأيام في غياب جميع وسائل التدفئة باستثناء القلوب الحارة والمشاعر الدافئة، لأن حديث المحروقات يحرق القلوب والعيشة معاً!

سأكتب عن أغاني الحب ووهم الرومانسية ونحن غير قادرين على العشق لأننا لا نتواصل مع من نحب إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعندما تتوافر خدمة الإنترنت المغدورة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، اللهم لا يقطع كهرباءكم! ثم كيف نعبر عن مشاعرنا ونحن تحت خط الصفر والفقر والقهر؟

سأكتب عن الطبيعة الجميلة في إسكوتلاندا وكرواتيا وألمانيا والصين والهند وغيرها من الدول، لأن طبيعة بلادنا الجميلة تتعرض لهجوم بعض البشر إما بالحرق أو بالقطع أو بسقاية التربة بالمازوت الممنوع أن يصل إلى مدافئ المواطنين.

سأكتب عن العلاقات الإنسانية والأسرية الحميمة، مع أنني أتابع كما تتابعون، الخلافات الحادة بين الشقيق وشقيقه، بين الأولاد وأمهم على إرث وقطعة أرض صغيرة إلى حد أن الشقيق يقتل أخاه وأفراد أسرته، هل تريدون الأسماء؟

تذكرت فيروز:(القمر بيضوي ع الناس.. والناس بيتقاتلوا.. عَ مزارع الأرض الناس.. عَ حجار بيتقاتلوا) أغنية ترجمها بعض الناس بشكل دموي!

سأكتب عن غزو الفضاء والوصول إلى القمر والمشتري، وما بعد المجموعة الشمسية، في وقت لا نستطيع التنقل بين المحافظات السورية، بل لا نستطيع بين أحياء المدينة الواحدة.

في خمسينيات القرن العشرين المنصرم تأسست حركة عدم الانحياز التي تنأى بنفسها عن الكتلة الشرقية «الشيوعية» بزعامة الاتحاد السوفييتي، والغربية «الرأسمالية» بزعامة الولايات المتحدة، هذه المجموعة مازالت موجودة بالاسم وليس بالفعل، فهي لا تحرك ساكناً، وأنا مثلها أنتمي إلى عدم الانحياز، فأنا موجود ولكن غير مؤثر فلا كلماتي تقلق الحكومة، ولا تنفع الناس فهي تشبه (الماء على البلاط!) لا تقدم ولا تؤخر كما قال جورج وسوف: كلام عصام لا يقدم ولا يؤخر.

سأظل في موقفي هذا لأنه السبيل الوحيد الذي يرضي الجميع وفي الوقت نفسه أحافظ على رأسي سالماً، وليس كرأس المملوك جابر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن