«فنّ سوري»… سهرة غنائيّة فيها طابع الطرب السوري الأصيل … حسام تحسين بك لـ«الوطن»: كيف كان أهلنا يغنون؟
| عامر فؤاد عامر
جمعت دار الأوبرا السوريّة يوم أمس؛ لوحة فنيّة غنيّة، تكاملت في طابع تراثي سوري خالص، ليكون مؤشراً حيويّاً في الإصغاء لهدف بناء تراث سوري واضح المعالم، من لحن، وكلمة، وأداء، وتنفيذ. وفي مشهد من السهرة الممتعة والمريحة والأصيلة، انطلقت نغمات هذه الخطوة التي تهدف للإشارة نحو الاتجاه السليم في تذوق الفنّ المعبّر عن صورة سورية في المشهد الموسيقي خلال تاريخ الموسيقا الطويل. العمل الغنائي (فنّ سوري) من كلمات وألحان وإخراج الأستاذ القدير «حسام تحسين بيك»، ومن تأديه الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربيّة بقيادة الفنان «عدنان فتح الله».
تضافر جهود
حتى نعيد الأغنية السوريّة إلى مكانها السليم نحتاج لتظافر الكثير من الجهود لاسيما القائمين والمختصين في هذا المجال، وبين لغة القديم والحديث، والجيل الكبير والصاعد، تدور رحى المعركة لولادة حالة حقيقيّة كرمى اللحن السوري الأصيل والأغنية السوريّة العريقة، ويلتقي اليوم الفنان القدير «حسام تحسين بك» في مشروعه الذي يسير في خطى المحافظة على أصالة الأغنية واللحن السوريين، مع جهود الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربيّة، ومن هنا يمكننا تصوّر الهدف من إقامة سهرة تراثيّة عنوانها «تحسين بك» بـ«فنّ سوري».
حول «فنّ سوري»
وحول هذه الخطوة والمشروع الأكبر يقول في تصريحه لنا: «وُلدت فكرة المشروع من شيء أساسي وجوهري هو إعادة الأغنية السوريّة إلى مكانها الحقيقي أي إلى المقدمة قبل أي أغنية أو موسيقى دخيلة عليها، وذلك بسبب غيابها فترة طويلة من الزمن، وهذا الأمر مؤسف جداً لنا كسوريين. وقد رتبت لهذه الخطوة – فنّ سوري – بطريقة جميلة نلفت من خلالها الانتباه لهذه المسألة الحساسة. وفي العمل مجموعة من الأغنيات والعروض نرى فيها كيف كان أهلنا يغنون في البيوت الشاميّة المترفة والمنعمة، وهناك شيء من البادية السوريّة أيضاً، مع أغنيتين اجتماعيتين، وأيضاً أغنية للأطفال فيها طابع حزين نوعاً ما لكنه ضروري للخطاب من الأطفال إلى العالم أجمع، ولدينا أغنية لدمشق، وأغنية وطنيّة لها حكاية تدور حول أم تخاطب ابنها الذي يغادر لخدمة العلم، وصورة ثانية في وداع حبيبٍ لحبيبته.. ».
هويّة الأغنية السوريّة
السمة الأساسية للعمل كانت في محاولة لإعادة هويّة الأغنية السوريّة، ومثل هذا العمل يحتاج لمؤازرة وتعاون من الفنانين، والملحنين الكبار، والمختصين، وهي محاولة للمبادرة في هذا الاتجاه، وهي خطوة – كما أوضح لنا الفنان القدير «حسام تحسن بك» – باتجاه الطريق الصحيح والسليم، ويؤكد بأنّه من الواجب أن يسمع الجيل الجديد تلك الأغاني التراثيّة القديمة والجميلة والتي تعنينا أكثر من أغنية أو موسيقى في العالم كلّه، وليروا ما كان يغنى ويقدّم.
يتألّف العمل الغنائي «فن سوري» من 11 عملاً مغنّى جاءت من كلمات وألحان الأستاذ «حسام تحسين بك»، وكذلك الإخراج والرؤية له أيضاً، أمّا من نفّذ العمل فهو الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربيّة، وكورال الفرقة المؤلف من طلبة وخريجي المعهد العالي للموسيقى في دمشق.
صبغة سورية
قائد الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربيّة «عدنان فتح الله» يضيف لنا حول هذا العمل فيقول: «حافظنا في العمل على الصبغة السوريّة القديمة، وحاولنا أن نضعها في لمسة من الحداثة، من خلال توزيعات موسيقيّة جديدة، ومن نفذ الأعمال هو الأستاذ «كمال سكيكر» وقد شاركت في تلحين وتوزيع أغنية سيقدمها الأستاذ «حسام تحسين بك» واسمها « ياشموع دروب». أمّا الهدف من عملنا «فنّ سوري» فهو إغناء المكتبة الغنائيّة السوريّة بـ11 عملاً غنائياً، وغالبها يقدّم لأوّل مرّة على المسرح، وهذا العمل جاء برغبة من الفنان «حسام تحسين بك» من أجل إعادة الهويّة للأغنية السوريّة، وفي النهاية يصب هذا العمل في أحد أهداف الفرقة الوطنيّة للموسيقى العربيّة، التي تعمل عليها منذ العالم 1990 وقد تمّ طرح تجارب إبداعيّة سابقة في مجال التأليف الشرقي الاوركسترالي، أو التأليف الموسيقي، مسقطين بجهود مشتركة العلوم التي درسناها في المعهد العالي للموسيقا عليها، بهدف تقديمها في أفضل صورة يمكن لنا أن نصنعها، ليأتي الجيل الجديد إلينا ويرى موسيقاه الحقيقيّة التي ينتمي إليها».
الطفل المعجزة
جوقة «ألوان» التابعة لـ«لونا للغناء الجماعي» بإشراف الأستاذ «حسام الدين بريمو» يشارك أيضاً في العمل من خلال أغنية «يا سامعين الصوت» وهي من كلمات وألحان الأستاذ «حسام تحسين بك»، ويسهم الأستاذ «بريمو» في هذه المشاركة مع اختيار طفل فنان، يحمل حالة من الإعجاز، ستفاجئ الجمهور وهو الطفل «عبد الرحيم الحلبي» الذي يغني هذه الأغنية مع أطفال جوقة «ألوان».
من اللوحات التي يمكن الإشارة إليها لتميزها وفرادتها وجمال عرضها وتقديمها لوحة الفنان «رياض مرعشلي» الذي يقدّم مونولوجاً مسرحياً مع شيء من الفكاهة في التعبير والكلمة المغناة، ويشارك في الأغنيات مجموعة كبيرة من الأسماء التي اعتدنا على حضورها في أمسيات دار الأوبرا السوريّة وحفلات الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربية ومنهم نذكر: «همسة منيف» و«عبير البطل»، و«عماد رمّال»، و«هبة فاهمة»، و«كارمن توكمه جي»، و«محمد قباني»، و«محمود الحداد»، و«سامر جبر»، وآخرون.
جهود الفرقة
يؤكد الفنان «عدنان فتح اللـه» قائد الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربيّة أن الجمهور الذي جاء ليحضر العمل ويتابع النشاطات التي تقدّمه الفرقة هو خير دليل على نجاح الخطوات التي تعنى بها الفرقة، والجيل الجديد يأتي إلينا -حسب تعبيره- بسبب العمل على مراعاة سمة العصر في الابتعاد عن النمط القديم، والاهتمام بالتنوع والحداثة وتقديمها بصورة صحيّة، مع الحذر من الملل في الشكل النهائي لكلّ حفلة أو عمل غنائي، والحفاظ على العلاقة المتجددة مع الإرث السوري القديم، والبحث عن اللهجات السوريّة فيها، كمشروع الدلعونا الذي عملوا عليه سابقاً والبحث عنها في اللهجات السوريّة كافة والتاريخ القديم والحديث، وغيرها من المواضيع الموسيقيّة… وكل ذلك ضمن نوطة ومراعاة التفاصيل الأكاديميّة مع عنصر الحداثة، والجمهور كبير ويزداد مع مرور الوقت، ونسبة الشباب المتابع والحاضر معنا تبدو لنا أكبر من قبل.
ومن العناصر الناجحة في هذا العمل الفني أيضاً انسجام المقدمين في أدائهم مع اللوحات التي تقدّم، فكان أمام كلّ لوحه مشهد تقديمي من خلال كلمة وصورة من الخيال قادنا إليها كلّ من الفنانة «نادين تحسين بيك»، والفنان «أيمن عبد السلام»، والفنان «ركان تحسين بيك»، والطفل «الياس حكيمة» من «جوقة ألوان».
ديكور خاصّ
أمّا الديكور فحكاية خاصة تؤكد تكامل العناصر على خشبة المسرح فهي للمهندس «حسان أبوعياش» الذي اعتدنا على ديكوراته الشاميّة والتراثية الجميلة في مرّات كثيرة، وبقي أن نذكر بأن العمل سيقدم أيضاً في يومي 16 و17 الشهر الجاري.