قضايا وآراء

أوروبا وبداية تصدع الحلف الغربي الأميركي

| تحسين حلبي

هل يشهد عالمنا منذ شباط 2022 حرباً عالمية ثالثة بطريقة مبتكرة تتناسب مع عصر ثورة الاتصالات والمسيرات والصواريخ الذكية تقوم بشنها الولايات المتحدة والدول الأوروبية ضد روسيا على الجبهة الأوروبية، وضد الصين على الجبهة الآسيوية؟ فالإجراءات التي اتخذها ويعدها الغرب لا تختلف كثيراً عن الإجراءات التي اعتادت دول الغرب اتخاذها في الحربين العالميتين الأولى والثانية ضد الدول المستهدفة من الطرف الآخر وأهمها الحصار وتشديد العقوبات وحشد الدول ضد الدول المستهدفة وتكثيف إرساليات الأسلحة والمعدات القتالية إلى حدودها وبخاصة على الجبهة المباشرة الساخنة في عصرنا هذا وهي أوكرانيا، فالغرب استنفذ في هذه المرحلة أو هذه الفصول، كل الإجراءات التي تسبق شن الحرب بقواته المباشرة ضد روسيا، ولم يبق غير هذا الإجراء في جعبته قابلا للاستخدام بعد أن أحبطت روسيا كل خططه وإجراءاته وبقيت قوية في ميدان معركتها في أوكرانيا، وفي الساحة الدولية مع حلفائها، وبقي قرار القيادة الروسية واحداً تعززه ثقة شعوب الاتحاد الروسي والحلفاء.

السؤال الأهم في هذا الموضوع هو: هل سيحافظ الغرب بكل دوله على موقف موحد تجاه روسيا؟

بدأت المؤشرات على وجود تصدع في علاقات دول الغرب فيما بينها من جهة وبينها وبين أوكرانيا من الجهة الأخرى، تشق طريقها بشكل عام وبشكل خاص عند الدولة الأوكرانية، فقد كشف تيد سنايدير في مجلة «أنتي وور» الأميركية في الثالث من شهر كانون الأول الجاري أن وزير خارجية أوكرانيا ديميترو كوليبا اشتكى في 28 تشرين ثاني الماضي من عدم وفاء الدول الأوروبية لالتزاماتها في توريد الأسلحة الحديثة لجيشه، وقال: «هناك حقيقة يجب مواجهتها وهي أن ما تحتاجه أوكرانيا من معدات وأسلحة متطورة موجود بكثرة في دول أوروبية ولكن هذه الدول لا تريد إرسالها لأسباب سياسية»، وربما يعود ذلك بنظرنا لأن هذه الدول ستجد نفسها وقد استنفذت معظم أسلحتها المعدة لحماية حدودها وهي التي تخشى من تطور هذا الشكل من الحرب غير المباشرة ضد روسيا إلى حرب مباشرة فلا تجد ما يكفي لحماية حدودها من حرب مقبلة ومباشرة.

يكشف المحلل السياسي الأميركي توماس فريدمان في نفس ما ذكرته مجلة «أنتي وور» عن مقاله في صحيفة «نيويورك تايمز» أن هناك «عدم ثقة عميقة» بين الرئيس الأميركي جو بايدين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، وذكرت المجلة أن بايدين قال لزيلينسكي في مكالمة هاتفية أن «عليه التحدث بلغة فيها درجة من الامتنان للولايات المتحدة»، وأضافت المجلة: إن أحد المسؤولين في حلف الأطلسي ذكر لمجلة «فايننشال تايمز» أن «الوضع مع زيلينسكي أصبح مثيراً للسخرية لأن الأوكرانيين أخذوا يدمرون الثقة بهم فهم يكذبون علنا وهذا يدمرهم أكثر من صواريخ روسيا».

مجلة «الديلي ميل» البريطانية ذكرت في 2 كانون الأول الجاري أن رئيس حكومة فنلندا قال لنظيرته الاسترالية أثناء زيارته لسيدني إن «الحرب في أوكرانيا كشفت ضعفاً أوروبياً أمام القوة الروسية وليس في مقدور أوروبا لوحدها الاستمرار في تقديم الدعم إلى ما لا نهاية، والكل يعتمد على الولايات المتحدة»، ويبدو أن الولايات المتحدة بدأت تتأثر هي الأخرى فقد تبين من استطلاع للرأي بين أنصار الجمهوريين الأميركيين أن 48 بالمئة لا يريدون من السياسة الأميركية الاستمرار بالتدخل العسكري المباشر في العالم ولا في توسيع المشاركة في الحرب ضد روسيا خوفاً من مضاعفاتها على أميركا واقتصادها على غرار ما يحدث في الدول الأوروبية من تضخم وتزايد أزمات ضمان البترول والطاقة.

في ظل هذه النتائج التي ولدتها أول فصول حرب الغرب العالمية الثالثة المبتكرة ضد روسيا باستخدام أوكرانيا، يبدو أن بعض الدول الأوروبية لن يكون في مقدورها أن تتحمل كل هذه النتائج وهذه الدول تعرف أن الولايات المتحدة لا يعول عليها في أن تتقاسم معهم الأضرار أو المكاسب، هذا إذا تحققت لها مكاسب، ولا يبدو أنها ستتحقق أمام الدولتين الكبريين روسيا والصين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن