قضايا وآراء

إعدام الفلسطينيين.. برسم من؟

| نعيم إبراهيم

عبر مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند عن ذعره إزاء عملية إعدام شاب فلسطيني يوم الجمعة الماضي، وكتب على تويتر: «مذعور من مقتل الفلسطيني عمار مفلح خلال مشاجرة مع جندي إسرائيلي بالقرب من حوارة وسط الضفة الغربية. تعازيّ القلبية لعائلته المكلومة»، وطالب المبعوث الأممي «بالتحقيق بشكل كامل وسريع، ومحاسبة المسؤولين».

ورد ناطق باسم وزارة خارجية العدو الصهيوني، على تويتر أيضاً، واصفاً رد فعل وينسلاند بأنه «تشويه كامل للحقيقة» وقال: «هذا الحادث هو هجوم إرهابي، طعن خلاله شرطي إسرائيلي في وجهه وتم تهديد حياة شرطي آخر، لذلك أطلقت النار على المهاجم، إنه ليس شجاراً بل هو هجوم إرهابي!».

بدوره، أكد رئيس الوزراء الصهيوني يائير لبيد أنه يدعم «بالكامل» الجندي الذي قتل الفلسطيني، الأمر الذي أتاح في رأيه «إنقاذ أرواح»، وقال لبيد عبر تويتر: «أي محاولة لتشويه الحقيقة وسرد رواية خاطئة في العالم هي عار بكل بساطة (…) ستواصل قواتنا الأمنية التحرك بشدة ضد الإرهاب».

من جانبه ثمن النائب المتطرف الصهيوني إيتمار بن غفير ما قام به الجندي الصهيوني، قائلاً: «أحسنت.. عمل دقيق، لقد شرفتنا جميعاً وفعلت ما تم تكليفك به».

آثرت سرد ما ورد على لسان وينسلاند وردود بعض المسؤولين الصهاينة عليه بمواقف عنصرية وأكاذيب تؤكد مرة جديدة حقيقة المزاعم الصهيونية ومحاولات إقناع الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية بعكس ما جرى ويجري ضد الأرض والإنسان الفلسطينيين منذ نكبة فلسطين حتى الآن.

لقد دأب الصهاينة على قتل الفلسطينيين سواء بدم بارد أو آخر حار، ومهما كانت المسافة التي تطلق منها نارهم، صفرا أو متراً أو عشرات الأمتار أو أبعد من ذلك، فإن المهم بالنسبة لهم هو سرقة الحقوق الفلسطينية تحت تسميات وذرائع مختلفة، ومنذ العام 1948 قتلوا عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال المعارك والاقتحامات وداخل المعتقلات والزنازين.

إن عقوبة الإعدام تعني قتل شخص نتيجة ارتكابه جريمة عظمى كما يحددها قانون البلد الذي يحاكم فيه، ويشترط أن تكون العقوبة واردة في منطوق حكم قضائي يتوج محاكمة عادلة جرت أمام محكمة معترف بها ومشكلة وفق القانون، وإذا اختل أحد الشروط السابقة فإن عملية الإعدام تدخل في نطاق التصفية الجسدية أو الإعدام خارج القانون، هذا في بلد طبيعي تماماً.

أما في الكيان الصهيوني فإن الأمر مختلف في حقيقته، شذاذ آفاق جاؤوا من دول عديدة واحتلوا فلسطين وأراض عربية أخرى عبر مؤامرة دولية كبرى تنفيذاً لأهداف المشروع الصهيوني و«بروتوكولات حكماء صهيون» لإقامة ما سموه وطناً قومياً لليهود بذريعة أن فلسطين أرض بلا شعب يجب أن تعطى لشعب بلا أرض، فأي قانون يمكن أن يسود في هذا الكيان الغاصب الذي ينفذ جنوده ومستوطنوه عقوبة الإعدام بحق الفلسطينيين كملاذ أخير بعد ثبوت إخفاق الإجراءات العقابية كافة التي تتخذها سلطات الاحتلال بحق منفذي العمليات الفدائية البطولية ضد أهداف صهيونية، مثل هدم منازلهم وترحيل عائلاتهم واعتقال أفراد أسرهم وفرض الإقامات الجبرية عليهم.

ارتكبت قوات الاحتلال الصهيوني جرائم الاغتيال بحق الفلسطينيين الكوادر من مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية وآخرين من الناس العاديين مستخدمة الأساليب المعتادة في تنفيذها لهذه الجرائم، مضيفة لها أسلوباً جديداً وهو قصف أماكن «المطلوبين» بطائرات حربية من نوع أف 16 ومن هذه الأساليب:

1/ إطلاق النار على الضحية من الوحدات الخاصة التابعة لقوات الاحتلال، أو من داخل المواقع العسكرية، أو على الحواجز العسكرية من مسافات قريبة وأخرى مسافات صفر.

2/ إطلاق القذائف على الضحية من دبابة.

3/ إطلاق القذائف الصاروخية على المنزل أو السيارة التي فيها الضحية من طائرات مروحية.

4/ إطلاق القذائف الصاروخية على المنزل الذي فيه الضحية من خلال طائرات حربية من نوع أف 16.

5/ وضع العبوات الناسفة في سيارة المستهدف وتفجيرها بتحكم عن بعد.

6/ هدم البيت الذي يوجد بداخله المستهدف.

نصت المادة 3 من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب على أنه «تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص «المحميين» وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن: 1 (أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية والتعذيب».

كما تؤكد المادة 27 من الاتفاقية أن «للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم، ويجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكل خاص من جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير».

وتحظر المادة 32 من الاتفاقية ذاتها «صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها، ولا يقتصر هذا الحظر على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه والتجارب الطبية والعلمية التي لا تقتضيها المعالجة الطبية للشخص المحمي وحسب، ولكنه يشمل أيضاً أي أعمال وحشية أخرى، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون».

وتؤكد المادة 146 من الاتفاقية على أنه «لكل طرف متعاقد ملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو الأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى محاكمة، أياً كانت جنسيتهم، وله أيضا، إذا فضل ذلك، وطبقاً لأحكام تشريعه، أن يسلمهم إلى طرف متعاقد معني آخر لمحاكمتهم ما دامت تتوفر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص».

وتوضح المادة 147 من الاتفاقية ماهية المخالفات الجسيمة التي أشارت إليها المادة السابقة، بأنها تتضمن «أحد الأفعال التالية، إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية: القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللا إنسانية».

وتنص المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن «لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه».

وتؤكد المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن «الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً». ونصت المادة الرابعة من العهد ذاته على أنه «لا يجوز الانتقاص من حق الحياة حتى «في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة».

إن جريمة إعدام الفلسطيني عمار مفلح لن تكون الأخيرة ما دام الاحتلال الصهيوني لبيت المقدس وأكنافه مستمراً، وهي أصبحت سياسة رسمية للحكومات الصهيونية المتعاقبة، وهي بالغة الخطورة وتعني أن هذا الاحتلال ينتهك بشكل مباشر وصارخ القانون الدولي، ويرتكب جرائم ضد الإنسانية تجعل كل فلسطيني في الأرض المحتلة برسم الموت في أي لحظة.

وبعد، هل تجد مطالبة مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند بالتحقيق بشكل كامل وسريع، ومحاسبة المسؤولين عن إعدام مفلح آذاناً مصغية في الهيئات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان ومحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة؟

أستبعد ذلك، وأما الأسباب فهي جلية للجميع إلا من أصابه العمى التاريخي وارتضى التصهين لنفسه وللآخرين وما أكثرهم اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن