رياضة

أحداث النسخة الثانية والعشرين أثبتت أن المونديال القطري استثنائي … ماكينات أصابها الصدأ وشياطين أصابهم المسّ … نجوم غائبون وهدافون تائهون ونجوم خف بريقهم

| خالد عرنوس

وصلت النسخة الثانية والعشرون من بطولة كأس العالم مراحلها المتقدمة فانتهت بالأمس منافسات أول أدوار الإقصاء ولم يتبق سوى ثمانية ضيوف سيتنافسون على اللقب الأثير، وحتى اللحظة التي نكتب فيها هذه السطور شهدت البطولة عدداً من الأحداث والنتائج الغريبة وسُجلت أرقام مهمة فردياً وجماعياً ما أكد ومازال أن المونديال القطري سيكون استثنائياً حسب توقعات الكثير من نجوم اللعبة من خبرات ولاعبين ونجوم قدامى وحاليين وحتى إعلاميين.

ولعل سقوط بعض المنتخبات منذ الدور الأول شكل صدمة كبيرة لعشاقهم وخاصة منتخبات ألمانيا وبلجيكا والأورغواي وهي من المنتخبات المرشحة للتتويج باللقب أو على الأقل بلوغ أدوار متقدمة في البطولة، وشكل تأهل الكم القياسي من منتخبات آسيا وإفريقيا حالة إيجابية خاصة أن بعضها لم يتأهل بالمصادفة بل عن جدارة واستحقاق، إذا كان بعض المنتخبات تلقت هزائم لم تكن بالحسبان إلا أنها واصلت مشوارها نحو الأدوار المتقدمة كما حدث مع البطل الفرنسي الذي كشر عن أنيابه في أولى مباريات الإقصاء ولا ننسى هزيمة البرازيل التاريخية أمام الكاميرون أو ذلك الفوز الكوري على البرتغال، وهذا الكلام قبل مباراتي الأمس.

الوعكة التي طالت

في عرف كرة القدم هناك مقولة مفادها أن الفرق الكبيرة تمرض ولا تموت، وهو ما ينطبق على المنتخب الألماني أحد كبار المونديال تاريخياً فهذا الفريق الذي كان أكثر من بلغ مربع الكبار أصابه المرض الذي تخطى الوعكة ليتحول إلى مرض يخشى القائمون عليه وعشاقه أن يصبح مرضاً عضالاً، فمنذ تتويجه باللقب الرابع قبل ثمانية أعوام لم يفلح سوى بالتتويج بكأس القارات عام 2017 وتوقع بعدها الكثيرون أن تكون نقطة انطلاق نحو الاحتفاظ باللقب وخاصة أن المدرب لوف يومها أشرك فريقاً (احتياطياً)، إلا أن السقوط في الدور الأول لمونديال 2018 جاء مهيناً وبهزيمتين تاريخيتين أمام المكسيك وكوريا الجنوبية ليودع البطولة من الدور الأول للمرة الأولى بتاريخه، وجاءت بطولة يورو لتؤكد سوء الحال الذي استمر بدوري الأمم حيث أخفق في ثلاث نسخ كاملة بتجاوز الدور الأول بل كاد يسقط إلى التصنيف الثاني في النسخة الأولى لولا تعديل نظام المسابقة من اليويفا وزيادة عدد فرق التصنيف الأعلى.

كل هذه المقدمات أنبأت بمونديال سيئ، فالخسارة أمام مقدونيا بتصفيات المونديال وقبلها الهزيمة التاريخية أمام اللاروخا الإسباني بدوري الأمم (صفر/6) وبعدها السقوط أمام المجر بدوري الأمم قبل شهرين رسمت صورة سيئة للفريق الذاهب إلى قطر، ورغم ذلك فإن التوقعات أبقت على المانشافت ضمن الدائرة الضيقة للمرشحين للمنافسة على اللقب العالمي، إلا أن الذي حدث لم يكن بالحسبان فقد جاء السقوط مبكراً بخسارة مفاجئة أمام اليابان بعد التقدم بهدف وصحا الفريق في الشوط الثاني أمام اللاروخا ونجح بالتعادل وعاد ففاز على نظيره الكوستاريكي 4/2 وكانت هذه النتيجة كافية لمواصلة المشوار نحو الدور الثاني في حال فوز الإسباني أو حتى تعادله مع الياباني لكن النتيجة جاءت عكس المتوقع وفاز الأخير بعد توسلات أنصار المانشافت للاعبي إسبانيا من أجل تسجيل ولو هدفاً لكن النتيجة النهائية أودت بفريق الماكينات خارج المونديال للمرة الثانية علي التوالي لتفتح النيران على المدرب هانز فليك ولاعبيه الذين حاربوا طواحين العواء خارج الملعب فكانت الشماتة من كل عشاق المنتخبات المنافسة.

شياطين فاشلون

الكلام ليس من عندنا، بل هو من حارس مرمى المنتخب البلجيكي تيبو كورتوا الذي صرح عقب خروج الشياطين الحمر (لقب فريقه) من الدور الأول بأنه جيل فاشل وليس ذهبياً كما تطلق عليه وسائل الإعلام، فهذا الجيل الذي بلغ معظم عناصره نهاية مسيرتهم الدولية أخفق في تحقيق أي بطولة وأفضل إنجاز كان المركز الثالث في مونديال روسيا 2018، وكما المنتخب الألماني دخل البلجيكي البطولة مرشحاً للمنافسة على اللقب على غرار كل البطولات التي دخلها منذ مونديال 2014 لكن ما قدمه لاعبو المدرب روبرتو مارتينيز كان مخيباً بكل المقاييس، فلم يحققوا سوى فوز يتيم وجاء بهدف على طريقة المنتخبات الصغيرة أمام المنتخب الكندي الضيف الذي اكتفى بشرف تسجيل أول أهدافه في العرس العالمي ثم جاءت الهزيمة من المنتخب المغربي بالتثبيت وبهدفين دون ردّ، وجاءت المباراة الأخيرة أمام كرواتيا والشياطين بحاجة إلى الفوز لكي يضمنوا تجاوز الدور الأول إلا أنهم أخفقوا وخرجوا بالتعادل الذي وضعهم خارج البطولة للمرة الأولى من دور المجموعات منذ 1998 وللمرة الخامسة في تاريخ مشاركتهم بالمونديال.

عظمة بائدة

المنتخب الثالث الذي شكل خروجه من الدور الأول هو أول بطل العالم السليستي الأورغوياني وإن كان وقع خروجه أقل بالنسبة للمانشافت والشياطين ذلك أن نجومه الحاليين فشلوا بتكرار إنجاز 2010 في النسختين التاليتين فخرج في كليهما من دور الـ16 وحتى على مستوى بطولته المفضلة (كوبا أميركا)، وإذا كان عشاق المانشافت تسولوا هدفاً إسبانياً فإن لاعبي السيلستي كانوا يبحثون عن هدف ثالث بمرمى غانا ولم يفلحوا بالوصول إليه وخيب البرتغاليون آمالهم بالخسارة أمام الكوريين فكان الخروج بطريقة مزعجة وبفارق الأهداف، والمثير للشفقة في منتخب الأورغواي الذي عاش أمجاداً تليدة أن خط هجومه المؤلف من لويس سواريز وإدينسون كافاني وداروين نونيز لم ينجح بتسجيل أي هدف في ثلاث مباريات، وإذا كان الأخير لا يملك سجلاً دولياً حافلاً (3 أهداف في 16 مباراة) فإن الثنائي الخبير يملك في سجله ما مجموعه 126 هدفاً دولياً في 273 مباراة وهما في مقدمة الهدافين التاريخيين لمنتخب بلادهم بواقع 68 هدفاً لسواريز و58 هدفاً لكافاني.

ماذا وراء الأكمة

وشكل خروج هذا الثلاثي علامات استفهام كبيرة وخاصة المانشافت الذي لا تنقصه الأسماء اللامعة ولا الخبرة في المواقف الحرجة ويبدو أن العلة كانت في دفاعه وحارس مرماه الذي تراجع كثيراً وقد اهتزت شباكه في كل مباراة، وإن كان هجومه يحمل بعض اللوم رغم تسجيل 6 أهداف، لكن عندما نعرف أن المنتخب الألماني كان الفريق الأكثر تسديداً على المرمى بين منتخبات البطولة ندرك حجم الكارثة.

ولعل أهم الأسباب ضعف الدوري المحلي فنياً رغم الزخم الجماهيري وهو ما أدى إلى هيمنة بايرن ميونيخ على اللقب الشيء الذي جعل خبراء الكرة الألمانية المطالبة بإعادة النظر حول القوانين الرياضية السائدة في البلاد حيث تغيب المنافسة الجدية بين الأندية ما أدى إلى وهن المنتخب الوطني، ولا ننسى أن معظم لاعبيه أصبحوا من أصحاب الأصول الأجنبية فتأثرت ثقافة الألمان المعروفين بالجدية والصرامة، وتراجع المردود العام للمنتخب وبدأ الصدأ يلف ماكيناته ولم تعد تعمل كما تعودت والنتائج واضحة خلال السنوات الأخيرة، وجاء أول ردّ فعل من الاتحاد الألماني بعد خمسة أيام من الكارثة بإقالة أوليفر بيرهوف مدير المنتخب من منصبه.

وبالنسبة للمنتخب البلجيكي فإن أهم أسباب سقوطه هي الخلافات بين اللاعبين وخاصة بعض الرؤوس الكبيرة، فها هو كيفن دي بروين يقاطع تيبو كورتوا منذ سنوات بسبب خلافات شخصية ولم يعد بمقدور المدرب الإسباني مارتينيز السيطرة على غرفة الملابس، حتى إن اللاعبين اشتبكوا غير مرة في الآونة الأخيرة حسب بعض وسائل الإعلام وآخرها في مباراة كرواتيا قبل أن يتدخل بعض اللاعبين لفض النزاع الذي وصل إلى معارك بالأيدي، ولا ننسى تراجع مستوى بعض النجوم أمثال إيدين هازارد ودي بروين وهما رمانة الميزان في الفريق.

نجوم خافتة

لم يكن أحد ينتظر من بعض اللاعبين أو النجوم سوى تقديم المستوى الذي يظهرون عليه مع أنديتهم كما ذكرنا عن البلجيكي كيفن دي بروين الذي كان ظلاً لنجم مانشستر سيتي الذي يصنع ويسجل ويتألق، ومثله زميله الهداف التاريخي للشياطين روميلو لوكاكو الذي لم يشارك سوى في مباراتين كبديل ولم يفلح بهز الشباك، ولعل عدم شفائه الكامل من الإصابة أثر في مستواه فلم يشركه المدرب أساسياً، أما إيدين هازارد فتوقع الكثيرون أن المونديال سيكون فرصته الأخيرة لتعويض ما فاته منذ انتقاله إلى ريال مدريد لكنه بدا ثقيلاً حتى إن المدرب أشركه في مباراتين واستبدل بعد ساعة في كليهما وغاب عن المباراة الحاسمة.

وبعيداً عن المنتخب البلجيكي المحسود فإن توماس مولر الألماني أنهى مشواره الدولي بطريقة مشينة فلم يسجل خلال 260 دقيقة لعبها في المباريات الثلاث وفي سجله 44 هدفاً دولياً منها 10 في المونديال، أما الطامة الألمانية الكبرى فكانت بخط دفاعه وخاصة نيكلاس سولة وديفيد راوم ولم يسلم نوير من الانتقادات بسبب الهفوات التي ارتكبها هؤلاء على وجه الخصوص، ولم يقدم ليروي ساني الشيء الكثير خلال 110 دقائق شارك فيها خلال المباراتين الأخيرتين بعد غيابه عن لقاء اليابان.

ولم تقتصر الخيبات على هذه المنتخبات الكبيرة أو بعض نجومها، فالسقوط من الدور الأول يلغي أي نجاحات ثانوية لبعض اللاعبين وخاصة الشباب، لكن هذا لم يكن كافياً لوضعهم في خانة الناجحين في المونديال، وسيكون لنا وقفة أخرى مع هؤلاء الأخيرين في أعداد قادمة إن شاء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن