مبدئياً لايُمكن لنا بتعريفٍ واحد أن نحيطَ بسلوكِ الشخصية الانهزامية، لكن الأفضل ربما أن نقومَ بتوصيفِ سلوك هذه الشخصية من حيث نظرتها السلبية لكل ماهو قادم، أسيرة للخيبات، تهرب من أي مواجهةٍ قادرة على اكتشافِ حقيقةِ مقدراتها فتنكفئ من مبدأ الخروج بأقل الأضرار وتراها انتصاراً.
في عالَمنا العرَبي تركَت طبيعة المجتمعات وآليات الحكم التي اعتمدَت مبدأ التصفيق للإنجازات الوهمية بما فيها الحقوق الروتينية المنصوص عليها دستورياً وليست عطايا من أحد الكثير من الروح الانهزامية التي تحكم نفسية المواطن، الجميع يتشارك فكرة الخوف من رجل الأمن، التقارير الكيدية، انتقاد المسؤول المنزَّه عن الأخطاء وغيرها من الفزَّاعات التي كانت ولا تزال مسلَّطة على رقابِ المواطنين، هنا يبدأ الإبداع بالاضمحلال ما خلا الإبداع الأدبي والإعلامي الهارب من مقصِّ الرقيب والذي يقدم كوميديا سوداء عن الواقع الذي نعيشه، أو الإبداع العلمي الهارب إلى عالم ما وراء البحار، أكثر من ذلك فإن هذه الروح الانهزامية قد تراها حتى في مباريات كرة القدم، تحديداً عندما تتساوى الإمكانيات المادية والمعنوية مع الفريق المنافس فإن بعض الفرق العربية تحتوي على محترفين في الدوريات الأوروبية أكثر من المنتخبات الأوروبية والأميركية مع ذلك تراها لا تبادر، لا تمتلك ذهنية الهجوم خير وسيلةٍ للدفاع لأن عدم الثقة بالإمكانيات هو عملية تراكمية تتحمل مسؤولياتها أولاً وأخيراً آليات الحكم وطريقة تعاطيها مع المواطن.
لكن في سياقٍ آخر فإن البناء على تراكم الأحداث قد يولد عندَ المواطن روح التمرد، المواجهة، الصبر، هنا يبدو البعض أحمق إن لم يحاول استيعاب هذا التمرد بسياقِ التطور الطبيعي لقدرة الشعب على المواجهة، هنا عليكَ أن تكون دقيقاً مع كل تفصيلةٍ وحرف لأن الروح الانهزامية إن خرجت من قمقمها فإنها عملياً ستهاجم أول ما ستهاجم «سجَّانها» أو لنقل العوامل التي قيَّدت بحثها عن التحليق وجعلتها ترى بالهزائم انتصارات، عندها على الجميع الحذر، لكن هناك من سيسأل طيب وما الفائدة من كل هذهِ المقدمة التي خلطت الرياضة بالسياسة بحرية الرأي؟
ببساطة فإن مناسبةَ هذا الحديث هو الأحداث المتسارعة التي شهدتها سورية هذا الأسبوع ليسَ فقط بالأحداث المؤسفة التي شهدتها «سويداء القلب» ونجح شرفاؤها الذين نعتز ونثق بهم بتطويقها لأنهم الأغلبية الكاسحة، لكن لبعض تصريحات المسؤولين التي لم نعد نفهم ما الهدف منها؟ هل أن أحدهم مثلاً بدأ يقدم نفسه كمشروع رئيس مجلس وزراء قادم فتراه يصرِّح تارةً عن المشتقات النفطية وتارة عن المبيدات الزراعية والمنشآت الصناعية؟ ربما لم تنج منه حتى الآن إلا رخص النوادي والمرابع الليلية، مع التأكيد هنا أن هذه التصريحات تتعارض مع المهام وتتعارض مع مايقوله أصحاب الشأن أساساً، هنا علينا ألا نتغنى بصبرِ المواطن على شظف العيش، بل بصبرهِ على تصريحاتٍ وتناقضات كهذه.
في الخلاصة: الألم ولّد لدى المواطن القوة والقدرة على كسر الروح الانهزامية، لكن تبدو الحالة مع الكثير من المعنيين بالشأن العام معاكسة تحديداً إذا ماعرفنا بأن علم النفس وصَّفَ ردات فعل الشخصية الانهزامية بنزوعها نحو إلقاء اللوم على الظروف والأوضاع وعلى الآخرين للهروب من المسؤولية، ببساطة لا تخافوا أن يمتلك المواطن قدرةَ التمرد على الشخصية الانهزامي،ة الخوف أن هناك من يصر على سحبهِ نحو تلك الروح الانهزامية!