قضايا وآراء

ثلاثة عقود واستنزاف المقاومة لجيش الاحتلال مستمرة

| تحسين حلبي

من الحجارة في نهاية القرن الماضي إلى السلاح الناري في القرن الحادي والعشرين، تستمر المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة، وتتكثف وتتسع مساحاتها ويزداد عدد المشاركين فيها من الشبان صغاراً وكباراً، هذه هي الصفحات التاريخية التي يسطرها الشعب بمقاومته. وبالمقابل لم تستطع كل أشكال العدوان وجرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد الأطفال والنساء والشبان إيقاف عجلة المقاومة وزيادة قدراتها، وبفضل هذه الإرادة تمكن الفلسطينيون من استنزاف جيش الاحتلال خلال عقود ثلاثة ماضية، وأثبتوا من خلال ذلك صموداً ومقاومة فائقة أمام ما يشبه خمس حروب اجتياح شنتها قوات الاحتلال عليهم.

ففي عام 2002 شن رئيس حكومة الكيان في ذلك الوقت الجنرال أريئيل شارون حرب اجتياح شملت كل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وبجميع أنواع السلاح وأطلق عليها اسم «الدرع الدفاعي»، دامت من 28 آذار حتى 10 أيار من العام نفسه أي 52 يوما وفي النهاية لم تتوقف حرب الاستنزاف الفلسطينية وفرضت على شارون نفسه بعد ثلاث سنوات من الاستنزاف سحب كل قواته ومواقعه العسكرية ومستوطناته الـ22 من قطاع غزة في شهر آب 2005، فتدشن تحرير أول أراض فلسطينية منذ حرب عام 1948 وهي قطاع غزة التي يديرها الفلسطينيون بأنفسهم ويحولونها إلى قاعدة مقاومة بالصواريخ والفدائيين المسلحين.

وفي كانون الأول عام 2008 حتى كانون الثاني الذي يليه شن رئيس الحكومة إيهود أولميرت جولة ثانية لاجتياح عسكري شامل ضد قطاع غزة باسم «الرصاص المسكوب» قاده جنرال آخر هو وزير الدفاع إيهود باراك ولم يحقق أهدافه، فقد سحب قواته بفضل المقاومة التي تمكنت من زيادة قدراتها العسكرية والصاروخية بعد ذلك.

ثم جاء بنيامين نتنياهو فشن اجتياحاً ثالثاً باسم «الرصاص المسكوب» في عام 2012 وفرضت عليه المقاومة خسائر بشرية جعلته ينسحب ليعود مرة أخرى في عملية «الحافة الواقعية» في عام 2014 بعد سنتين فيتكبد خسائر بشرية ويستمر سقوط الصواريخ على مستوطنات الكيان الإسرائيلي ومدنه.

في كل هذه الاجتياحات العسكرية وما تبعها من مجابهات في عام 2018 وعام 2021 في أيار في العملية الفلسطينية للمقاومة «سيف القدس» وما بعدها في عام 2022، كان جيش الاحتلال يجد نفسه في مجابهات داخل الضفة الغربية ومع جبهة قطاع غزة، ولا تكفي حشوده العسكرية واستدعاء جنوده الاحتياط لتحقيق أهدافه أمام حروب استنزاف شملت كل الأراضي المحتلة وفرضت على جيش الاحتلال حرب شوارع في جنين ونابلس والقدس وهذا ما جعل الجنرال المتقاعد إسحاق بريك يعلن في 6 تشرين أول الماضي في تحليل في صحيفة «معاريف» أن الجيش فقد جزءاً كبيراً من لياقته الحربية بعد استنزافه في حرب مع الشبان المسلحين الفلسطينيين يزداد عددهم بين المدن والقرى ويفرضون صعوبة في اعتقالهم من دون خسارة بشرية في صفوف الجيش، ويستشهد بما ذكره المفتش العام الإسرائيلي حين تفقد نشاط الجيش في الضفة الغربية فاكتشف أن الجيش عاجز عن تحقيق المهام المطلوبة منه مع تراكم الصعوبات، في حين لا وجود لجدوى من تزايد تجنيد جنود الاحتياط.

قبل ثلاث سنوات كتب المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي مقالاً بعنوان: لماذا لا يحقق الجيش انتصارات حتى الآن؟ كشف فيه أن «قيادة الجيش تخشى من وقوع خسائر بشرية في صفوف الجنود فتبقى الأخطار من حولها مستمرة بسبب وجود المسلحين الفلسطينيين»، ولا شك أن عامل الخوف من الخسائر البشرية لا يشعر به الجنود حين يكونون جزءاً من حرب معدة ضد جيوش نظامية، ففي تلك الظروف تحميهم طائرات ومدفعية ومعدات حربية ثقيلة في أثناء حركتهم، في حين يجدون أنفسهم أمام شبان المقاومة في الأراضي المحتلة على قرب مسافة صفر من النيران والمفاجآت، وكلما زاد انتشارهم كأفراد في مخيم في جنين أو بلاطة في نابلس، أصبحوا أكثر عرضة للنيران المباشرة، وحرب من هذا النوع تستنزف أعصابهم وقدراتهم، ناهيك عن أنهم حين يكونون في مواقع حراسات قرب المستوطنات لا يعرفون متى أو أين وكيف سيستهدفهم فدائي بسكين أو بمسدس، مثلما جرى في مناسبات عديدة، أما في معضلتهم في مواجهة قطاع غزة فقد اختبروا كل خططهم وأسلحتهم خلال 15 سنة وبحروب استخدموا فيها كل أنواع أسلحتهم، وفي النهاية لم يهزموا المقاومة وكانوا يتراجعون فيجدون أن المقاومة ازدادت قدراتها الصاروخية وتعاظمت إرادتها في المجابهة.

هذه الدوامة التي يجد جيش الاحتلال نفسه فيها من الطبيعي أن تولد مضاعفات معنوية سلبية على جنوده فتستنزف أعصابهم، وأعصاب المستوطنين الذين عجز عن حمايتهم من سقوط الصواريخ، فما بالك بمضاعفات عجز الجيش أمام جبهة الشمال من جنوب لبنان حتى حدود الجولان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن