من دفتر الوطن

فرحة بثمن باهظ

| حسن م. يوسف

تعلمون أن الطقوس هي مجموعة إجراءات وأفعال يؤديها بعض الأشخاص وفق قوانين مسبقة، نيابة عن الجماعة التي ينتمون إليها، وغالباً ما تنطوي تلك الإجراءات على قيم محددة قد تكون رمزية في أغلب الأحيان. وقد انتبه الشاعر والروائي والمخرج السينمائي الإيطالي البارز بيير باولو بازوليني قبل سنوات من اغتياله في الثاني من تشرين الثاني عام 1975، للجانب الطقوسي في كرة القدم إذ قال: «كرة القدم هي آخر الطقوس المقدسة في عصرنا».

يرى الدارسون لتاريخ الرياضة أن الصينيين القدماء قد مارسوا لعبة التحكم بالكرة بواسطة الأقدام قبل أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة عام، وكانوا يقيمون الولائم على شرف الفريق الذي يفوز باللعبة، أما أعضاء الفريق الخاسر فكان يتم جلدهم بالسياط. ثم انتقلت اللعبة إلى الإغريق بعد ألف وتسعمئة عام وإلى المصريين القدماء بعد ألفين ومئتي عام. لكن أتباع المركزية الغربية يتجاهلون هذه المعطيات ويرون أن «جذور كرة القدم كانت في إنكلترا ثم تفرعت شيئاً فشيئاً».

والحقيقة أن البريطانيين لعبوا قديماً كرة القدم، ففي عام 1016م وخلال احتفال الإنجليز بطرد الفايكنغ من بلادهم، لعبوا كرة القدم برؤوس قتلاهم من الشماليين، ونظراً لفظاعة المشهد فقد منعت السلطات هناك ممارسة اللعبة، لكنها عاودت الظهور غير مرة وكانت دائماً تمنع بمراسيم ملكية تعاقب من يمارسها بالسجن. وقد استمر الوضع بين شد ورخو إلى أن قام الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بوضع قوانين اللعبة عام 1863. وقد لعبت إنجلترا أول مباراة رسمية في تاريخ كرة القدم ضد إسكتلندا عام 1872.

يقول روائي أورغواي الشهير «إدواردو غليانو» الذي توفي قبل سبع سنوات: «لقد تحولت لعبة كرة القدم إلى مجرد استعراض، فيه قلة من الأبطال وكثرة من المشاهدين، إنها لعبة للنظر. وقد تحول هذا الاستعراض إلى واحد من أكثر الأعمال التجارية ربحاً في العالم، لكن على الرغم من أن كرة القدم المحترفة أصبحت تدور حول الأعمال أكثر من اللعبة نفسها، ما زلت أعتقد أن كرة القدم هي احتفال للأرجل التي تلعبها وللعيون التي تشاهدها».

لست أريد أن أنغص على متابعي كرة القدم فرحتهم، والحقيقة أنني فرحت لفوز الفريق المغربي وتأهله للدور ربع النهائي، كما تأثرت بعمق لقيام اللاعبين المغاربة بحمل العلم الفلسطيني كما لو أنهم يهدون نصرهم لأبناء فلسطين المقاومين الأبطال، لكن ثمن لحظات الفرح التي قدمها ويقدمها مونديال الدوحة لمتابعيه فادح حقاً. فقد جاء في مجلة «بلوم بيرغ» إن تكاليف مونديال الدوحة وصلت إلى 300 مليار دولار، في حين يتوقع أن يكون العائد بحدود سبعة مليارات من الدولارات، أي إن الخسارة الصافية لدولة قطر ستبلغ 293 مليار دولار.

أصارحكم أنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التساؤل: ماذا لو استثمرت هذه الأموال في الدول العربية بشكل عقلاني؟ وماذا لو أضيفت إليها المبالغ الفلكية التي أنفقت لإشعال الحرائق في سورية وليبيا والعراق واليمن ولبنان، والتي تزيد على ألفي مليار دولار بحسب اعترافات وزير خارجية قطر الأسبق؟

يقال إن كلمة (لو) تفتح عمل الشيطان، لكن الأذى الذي ألحقه بنا (أشقاؤنا عرب أميركا) تعجز عنه كل شياطين العالم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن