ثقافة وفن

مباراة زجلية سورية لبنانية وسط دمشق … شفيق ديب لـ»الوطن»: يجب على الزجل أن يصنّف في خانة الفنّ الحيّ الجماهيري وليس في خانة الفولكلور المنسي

| سارة سلامة - تصوير: طارق السعدوني

منذ زمن لم نحصل على هذه الجرعة الجميلة التي تحاكي الروح كما حدث مساء يوم الاربعاء في إحدى صالات فندق داماروز في دمشق، حيث يختار الشاعر السوري شفيق ديب امسياته بعناية ليبقينا على صلة دائمة مع الزجل رغم كل الظروف، إلا أننا اليوم نراه يعيد استقبال شعراء الزجل من لبنان وكان آخرهم داني صفير..

وقبل بضعة أيام من هذا الحدث أيضا اجتمع بلقاء تكريمي تاريخي مع كل من الشعراء اللبنانيين الكبار طليع حمدان وعادل خداج وفيكتور ميرزا، تخللته القصائد الزجلية والألوان الزجلية الوجدانية، ما يعيد إلى اذهاننا هذا الفن الراقي التراثي الذي أصبح اليوم بحكم المنسي ونسمع منه ما ندر، ويُحسب للشاعر ديب اهتمامه بجعل هذا الفن حيا في بلد يحتفي بتراثه وحضارته كان لابد أن يحافظ على هذا الإرث الفني المهم.

المباريات احتمدت بروح الشعراء الارتجال أعطاها بريقاً خاصاً وتفاعلاً حياً مع الجمهور الذي وقف يصفق لهذا وذاك، كما أن الموسيقا لم تقل حماسا في هذه الأمسيات فكانت جديدة وتعتبر من المرات النادرة بتاريخ الزجل أن تحتوي على اوكرديون وايقاع محترف وناي وكمنجا وكل ذلك بنكهة سورية خاصة.

وفي أمسيته مع الشاعر داني اشتعلت القاعة حماسا وهتافا وتميزت الجولة بالعفوية والارتجال فعشنا لحظات من الشغف والجمال والحب كما أن الروح الرياضية لم تفارق كلا الشاعرين.

الفنّ الحيّ الجماهيري

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بين الشاعر شفيق ديب أن: «للشاعر الزجلي مسيرته الوعرة التي تحتاج العناية والحذر، وللجولات الزجلية أخلاقيات وقواعد ومحاذير وصعوبات آنية قد تؤثر على هذه المسيرة بأكملها، وبالقياس نفسه، لا تتمجّد هذه المسيرة إلا من خلال هذه الامتحانات المتعاقبة».

وعن حقيقة الخصومة الزجلية في هذه المبارزات قال في توصيفه للجولة بينه وبين الشاعر داني قال ديب: «يُعدّ الشاعر الكبير داني صفير من الفرسان القلائل المعدودين الّذين تسلّموا الراية الزجلية الشرعيّة من جيليّ العمالقة (الثاني والثالث) بعد فترات طويلة من المعايشة والشراكة المنبريّة، وأنا من المتابعين الّذين أعجبوا وحفظوا مباريات داني الخالدة وبعض زملائه من هذا الجيل عن ظهر قلب ورأيناها مرجعاً من مراجع الزجل المعاصر بالإضافة لجولات المؤسسين وكتبهم، وهذا الحفل وعلى الرغم من كل الحماس الظاهر إلّا أن غايتي الكبرى هي محبّتي له وإظهار التقدير لجدارة وحصانة ومكانة هذا الشاعر القادر».

وهل ما إذا كان ينوي إعادة إحياء هذا الفن باستمرار أوضح ديب: «يجب على الزجل أن يصنّف في خانة الفنّ الحيّ الجماهيري وليس في خانة الفولكلور المنسي وهذا ما نسعى إليه بكل إيمان على الرغم من كل الصعوبات، ومن يطرق الأبواب حديثاً على العالم الزجلي سيفاجأ بوجود عالم مستقل خاص وجمهور موجود وشعراء وحماس وتطوّرات يوميّة».

وفي سؤالنا حول كم يحتاج الشاعر إلى سرعة بديهة وذهن حاضر  للمواجهة بين ديب: «جمعني المنبر الارتجالي بالشاعر داني صفير منذ عدة أشهر بسهرة سببت المفاجأة لجمهور هذا اللون، حيث امتدّت لساعتين من الارتجال السريع بلا أي تنسيق مسبق، وحفل اليوم لا يقلّ أهميّة لا بل هو أكثر خطورة في خضم هذا الحماس العارم من الحضور».

سورية محج الشعراء

ومن جهته أوضح الشاعر اللبناني داني صفير أن: «سورية هي وطني الثاني وغنيت على منابرها ابتداء من العام 1988 بجوقة الشاعر الكبير زغلول الدامور ومع عدة شعراء من سورية، وشعوري تجاه الشعب السوري عميق لأنه ذواق وسامع وناقد ويحب هذا الفن العريق أكثر من غيره».

وأضاف صفير إن: «الحفلة كانت رائعة بضيوفها المحترمين والمحترفين في تقييم الكلمة والشعراء والشاعر شفيق ديب ليس بحاجة إلى شهادتي بل اعتبره بنظري من أهم شعراء سورية ولبنان ولا ينقصه إلا أن يوزع الشعر على الذين ليسوا بشعراء ويوزع أخلاقاً وروحاً رياضية في المباراة على بعض من يحتاجون إليها».

أما في مايخص الفروقات بين شعراء الجيل القديم والجيل الجديد فكشف صفير أن: «الجيل القديم عاش العصر الذهبي للزجل اللبناني وكانت علاقاتهم مع بعضهم علاقة أخوة ومحبة، أما جيل اليوم استلم زمام الأمور في لبنان من التسعينيات إلى يومنا هذا، والوضع ليس بجيد ومن حوالي ١٢ عاما في سورية كذلك الأمر، بينما كان لمواقع التواصل الاجتماعي الفضل الكبير في ايصاله للشهرة والدخول إلى قلوب الناس والنتيجة برأيي بتصفية ذاتية يبقى منهم القدير ويذهب الذي دخل إلى الحقل الزجلي ولا يعتبر موهوباً أو شاعراً».

وفي جوابه عن سؤالنا عن الزجل هذا الفن المتعلق بتراثنا هل ممكن أن يكون له أرضية مستقبلية في سورية ونشهد إعادة إحياء له قال صفير: «سورية محج الشعر والشعراء من الزمن القديم ويوجد فيها شعراء كبار منهم معروفون ومنهم لم يمارسوا فن الزجل على المنابر ومنهم نجحوا على المنابر، ولا أفرق شعراء سورية عن شعراء لبنان في هذا وتبقى سورية ضمانه للزجل والشعراء بهذا العصر».

وعن حفلاته القادمة وإلى ماذا يحضر بين صفير: «سأجول بعد الأعياد إلى كل من امريكا وكندا واستراليا وفي لبنان هناك عدة مباريات بين الشعراء في جميع المناطق وربما سنشترك مع شعراء سورية وخصوصا الشاعر شفيق».

والجولات الزجلية هي شكل تقليدي من أشكال الشعر الموزون باللغة العامية. تتميز بأنها ارتجالية وعادة ما يكون في شكل مناظرة بين عدد من الزجالين (شعراء ارتجال الزجل) مصحوباً بإيقاع لحني بمساعدة بعض الآلات الموسيقية.

وينتشر الزجل بشكل كبيـر في لبنــان وشــمال فلسطين وشمال الأردن وغرب سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن