روى لي صديق أنه استجاب إلى طلب جاره المسن -المتقاعد – وذهب يبحث له عن فني لإصلاح باب البيت، إذ لم يعد يغلق.
رفض الفني المجيء معه، وبعد أخذ ورد، نطق الجوهرة: أريد خمسين ألف ليرة كي أعاين العطل.
لكن جاري متقاعد وهذا المبلغ نصف راتبه الشهري…! قصدناك لأنك على مقربة من البيت أي أننا جيران….!!
وثمة قصص واقعية كثيرة مماثلة، بطلها الابتزاز لندرة محال المهنيين والفنيين.
ومن المؤسف أنه على امتداد طريق طوله 3 كم في حي شعبي في دمشق، لا تجد على جانبيه سوى البقاليات التي تبيع البضاعة ذاتها: سجائر وسكر ورز وزيت وسمون ومعلبات ومحارم وبسكويت وعلكة وعصائر ومياه غازية….!! أكثر من خمسمئة بقالية على جانبي الطريق، لتخديم عدد مماثل من البنايات.
إنه لإغراء فظيع للابتزاز، عندما لا يكون بينهم سوى محل واحد لصنع وصيانة المفاتيح والغالات، أو منجد أو نجار أو معلم صحية أو كهربائي، وأحياناً لا تجد كل هؤلاء..!!
ومن المؤسف أنه في هذا الظرف الصعب جداً على ذوي الدخل المحدود ولاسيما شريحة المتقاعدين ومن يعملون بعيداً عن الاحتكاك بالمراجعين، الذين حكمت عليهم ظروف الحرب أن يعيشوا على رواتب مابين 100إلى 150 ألف ليرة، فإن نفوس أغلب ذوي المهن الحرة قد غلظت، ونأت عن الأعراف والتقاليد الحميدة التي اشتهرنا بها كسوريين.
ولست أرى أن الدواء –بالوعظ-على أهميته، أن الحل الوحيد هو كسر هذا الاحتكار وتحطيم هذا الابتزاز، بورش حكومية موازية، سدنتها طلاب المدارس والمعاهد المهنية والفنية، وفي ذلك تنفيذ لقانونين مهمين صدرا خلال هذا العام، هما القانون 38 والقانون 39 اللذان يجب تفعيلهما لإحداث نهضة كبرى في المجتمع السوري، عبر تحويلهما إلى مراكز إنتاجية حسب نص القانونين.
إن ورشاً للصيانة والإصلاح في 480 مدرسة مهنية وتقنية و120 معهداً مهنياً وتقنياً، على امتداد الجغرافية السورية، هي الحل الأمثل لتلبية احتياجات الناس بأجور رحيمة، ولتدريب الطلاب تدريبا عملياً رائعاً بإشراف مدربيهم وأساتذتهم، وستكون هذه الورش نواة لمطلب حق هو توفير مكان مجهز لعمل الخريجين الجدد، يكون بمنزلة أسواق مهنية لشبان وشابات، في كل أحياء المدن السورية، وقد ينضم إليهم، المهندسون الذين مضى على تخرجهم أربع سنوات أو أكثر ولم تعينهم الحكومة، خلافاً لنصوص تشريعية لم تلغ بعد، ولعل أشهرهم، المغضوب عليهم من دون أي مسوغات، خريجو هندسة الاتصالات والمعلوماتية من جامعة طرطوس الذين ظلموا ظلماً شديداً، في مدينة تفتقر إلى الشركات الكبرى والفعاليات الاقتصادية المهمة، وتركوا ليخسروا سنوات الدراسة الصعبة وتكاليفها الباهظة، وليخسرهم الوطن وهو في أمس الحاجة إليهم!
هناك من علق على مقالة لنا بهذا الشأن في جريدة «الوطن»، نشرت مؤخراً فقال: إن على الخريجين أن يخلقوا فرص عملهم بأنفسهم وألا ينتظروا أن توظفهم الدولة، وهذا الطرح، يحتاج إلى بنى تحتية وأماكن عمل تضم ورشاً متنوعة من خلال تنظيم تساعد عليه النقابات أو الجمعيات الأهلية كالسورية للتنمية.
ما نقترحه يأخذ بعين النظر، الغلاء الفاحش–الآن- للمحال والمكاتب والورش والتجهيزات، وعليه فإن الحل أن نبدأ من المدارس المهنية التقنية والمعاهد التقنية، كنواة لترسيخ وجود السوق الحكومية الموازية للمهنيين والحرفيين، بأجور رحيمة.
إن خطوة في هذا الاتجاه، تخفف الكثير من الأعباء المالية على شريحة واسعة جداً من الشعب السوري، وتوفر تدريباً أفضل ودخلاً جيداً للطلاب ومدربيهم، إضافة إلى المهندسين ممن ظلموا ولم يعيّنوا.
ومثل هذه المبادرات أفضل ألف مرة من أن نتعذب بنيران الغلاء.
وثمة في حياتنا، الكثير من الحلول المماثلة، تعتمد على بنى وتجهيزات تملكها الدولة. فرجاء بادروا واشتغلوا وأنجزوا، وضعوا لوحات إعلانية كبيرة تشير إلى هذه الورش، إذ ما من حل بديل على الإطلاق.