ثقافة وفن

«أدب الأطفال»… إضافة جديدة إلى حقل الدراسات التربوية … تحديد سمات الطفولة ورسم الخطوط العريضة لمستقبها

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان « أدب الأطفال- تاريخه، خصائصه وفنونه»، تأليف عبد المجيد إبراهيم قاسم، تقع في 262 صفحة من القطع الكبير، وتأتي هذه الدراسة في إطار تقديم صورة واضحة وشاملة عن أدب الأطفال وأبرز ملامحه ورواده عالمياً وعربياً من خلال تتبع مراحل تطوره التاريخية وتسليط الضوء على بواكير النتاجات المنجزة في هذا المجال، حيث يشكّل أدب الأطفال دعامة أساسية من دعائم ثقافة الأطفال ومنهجاً رصيناً في بنائها ويمثل الاهتمام به جزءاً لا يتجزأ من العملية التربوية الثقافية الشاملة للأطفال، وتتعدد الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها وتتنوع فهو يقدم المعارف التي تنمي قدرات جمهوره العقلية والتعبيرية وتغني أفكارهم وتوسع مداركهم وأخيلتهم، كما يسعى هذا النوع من الأدب إلى تهذيب وجدان الطفل، وغرس القيم التربوية الإيجابية، وإثارة العواطف الإنسانية السامية في نفوسهم، وإلى إكسابهم بعض المهارات الاجتماعية، يضاف إلى ذلك توفير أجواء من المتعة والتسلية.

مرحلة الطفولة

وفي البداية تسلط هذه الدراسة الضوء على مرحلة الطفولة وسماتها واحتياجاتها، إذ تعد هذه المرحلة من أهم مراحل تشكل الشخصية الإنسانية وأخصبها، وتمتاز بتأثيرها العميق في حياة الإنسان حيث تتبلور ملامحها وسماتها وتبرز ميولها وقيمها واتجاهاتها، وترتسم الخطوط العريضة لوجهتها مستقبلاً، هي حقائق احتاج إثباتها إلى عقود زمنية طويلة أوصلت تباعاً إلى اكتشاف طبيعة الشخصية الطفلية وفي الوقت نفسه ازدياد الاهتمام بتربيتها من الجوانب المعرفية والوجدانية والاجتماعية والجمالية.

وفي هذا السياق يقول الكاتب: «يمتاز الأطفال بقدرات واحتياجات ذهنية ونفسية ولغوية خاصة، وأن لهم قوانينهم ومعاييرهم التي لا تتواءم إلا معهم سواء كانت تتناول أساليب تفكير أم تعبيراً أو تواصلاً. إنهم كائنات في طور النمو والتكوين تمتلئ نفوسهم بكل المشاعر والأحاسيس الإنسانية، فهم يحبون ويكرهون، يفرحون ويحزنون، يخافون ويغضبون، يتأملون ويحلمون».

ويشير إلى أنه من أهم خصائص الأطفال السيكولوجية أنهم: فضوليون، دائمو التساؤل، ملاحظون حاذقون للأشياء، ميالون للاستطلاع والاستقصاء وارتياد المجهول،… مولعون بالقصص والشعر والتمثيل، والصور والألوان والرسوم، ميالون إلى التقليد والمحاكاة وتقمص الشخصيات، يتميزون بسرعة التعلم والتفاعل مع ما يتلقونه من المؤثرات في البيئة المحيطة ويمقتون بطبيعتهم أساليب التربية التي تقوم على ملء الأذهان بالمعارف والنصائح الجاهزة.

جذور أدب الأطفال

ويتحدث الكاتب في دراسته عن جذور أدب الأطفال التي تعود إلى أساطير وخرافات وحكايات شعبية قديمة، وإلى بطولات ورحلات ومختارات من حوادث وأخبار وإلى نوادر وحكم وأغانٍ وهدهدات شغلت أذهان الناس وتركت تأثيراً في حياتهم فتواترت عبر الأزمنة وتناقلتها الألسن جيلاً بعد جيل، وقد ظهرت آثار هذا الأدب على شكل منظومات وحكايات صاغها الكتاب بأساليبهم ونسجوا كتاباتهم بالاعتماد على أشكالها الأصلية، فقد أشارت بعض الدراسات الحديثة إلى نوع من الالتفات إلى الطفل وفنونه لدى المصريين القدماء وبعض الكتابات والنقوش والصور على أوراق البردي وجدران المعابد والقصور. ويوضح أن الكثير من الباحثين يرون أن أقدم الآثار الأدبية التي تعود إليها جذور أدب الأطفال هي حكايات «البانجاتانترا» المكتوبة بلغة الهند القديمة، منوهاً إلى أن الحكايات التي انتشرت لاحقاً وعرفت باسم «كليلة ودمنة» كانت أجزاء من «البانجاتانترا» أو إعادة صياغة لها وهي تؤلف مجموعة حكايات تدور على ألسنة الحيوان يحكيها الفيلسوف بيدبا للملك دبشليم، وقد نقلها عبدالله بن المقفع من البهلولية «الفارسية القديمة» إلى اللغة العربية في القرن الثامن الميلادي، ثم انتشرت إلى لغات أخرى وبفضلها تعرف الأوروبيون إلى نوع أدبي جديد في بث الحكمة والتهذيب.

شعر الأطفال

ويعرّف الكاتب في دراسته شعر الأطفال، فوضح أنه جنس أدبي فني يكتبه الشعراء الكبار خصيصاً لجمهور الأطفال وهو يتبوأ مرتبة الريادة بين فنون الأدب الطفلي ويعد أقربها إلى طبيعتهم وأسبقها وصولاً إلى وجدانهم، مشيراً إلى اختلاف أنواع شعر الأطفال بحسب الشكل الفني الذي يتخذه، فهناك الشعر الغنائي والشعر السردي أو التعليمي، والشعر القصصي والشعر المسرحي.

ويرى أن شعر الأطفال يسهم بدور مهم في تربية الطفل وإعداده للحياة بشكل مثمر من خلال تحقيق جملة من الأهداف، منها: إنه يعد وسيلة تعليمية لتزويد الأطفال بالمعارف والتجارب والقيم الإنسانية وبألفاظ وتراكيب جديدة تنمي ثروتهم اللغوية وتعينهم على حسن استخدام اللغة، كما يعد هذا النوع الأدب وسيلة مثلى للتعبير عن أحاسيس الأطفال ومشاعرهم وإثارة الإحساس بالجمال وبث البهجة والسرور في نفوسهم إلى جانب دوره في معالجة بعض حالات الخوف والخجل والانطواء والكشف عن مواهبهم نظماً وإلقاءً.

صحافة الأطفال

وفي هذا السياق يتحدث الكاتب عن نشأة صحافة الأطفال حيث يرى بعض الباحثين أن أول صحيفة للأطفال ظهرت في فرنسا بين عامي 1747- 1791 باسم «صديق الأطفال» أنشأها أديب مجهول نقل من خلالها قصص الأطفال في البلدان الأخرى إلى الأطفال الفرنسيين. وفي العالم العربي تعد مصر رائدة الصحافة الموجهة للأطفال ومن أوائل الدول العربية التي أصدرت المجلات لهم، ويرى بعض الدارسين الذين تناولوا تاريخ هذا النوع من الصحافة بأن أول مجلة للأطفال باللغة العربية أصدرها رفاعة الطهطاوي عام 1870 باسم «روضة المدارس» التي عدت منبراً جيداً خاطب خلاله رجال التربية والأدب والفن جمهور الأطفال، ثم أتبعها بمجلة أخرى باسم «المدرسة» عام 1893 لتشكل مع الأولى بواكير التجربة العربية في هذا المجال.

كما يشير إلى أنه لصحافة الأطفال نوعين، أولهما الصحيفة التي يعدها ويخرجها الأطفال أنفسهم كثمرة لتعاون مجموعاتهم وبإشراف معلميهم، ويدعى بالصحافة المدرسية. أما النوع الثاني وهو الأوسع انتشاراً وأهمية فيما يتناوله من المضامين الثقافية فهي الصحافة التي يحررها الكبار للأطفال والتي تتمثل أشكالها في مجلات الأطفال وجرائدهم والملاحق الخاصة بهم التي تصدر مع صحف الكبار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن