الصفحة الأخيرة

مرشد خاطر وتعريب التعليم الطبي … توثيق جهود رائد من رواد النهضة العلمية الجامعية

| مصعب أيوب

هذه الخطوة الرائدة في تعريب التعليم الطبي، أكدت قدرة لغة الضاد على استنباط المصطلحات الطبية والعلمية بصورة عامة، إذا ما تصدى لذلك علماء يتقنون لغتهم الأم ويمتلكون أسرارها وقواعدها في الاشتقاق والتوليد ويتقنون اللغة التي سينقلون عنها.

هذا ما اختتم به الكاتب أحمد بوبس كتابه الجديد «مرشد خاطر وتعريب التعليم الطبي» الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، فإن كل من يعمل في القطاع الطبي يدين للدكتور مرشد خاطر صاحب الدور الكبير والمؤثر في تعريب مناهج التدريس في دمشق وسورية كلها إن صح التعبير.

التعليم والانطلاقة

– قلائل هم من يعرفون مرشد خاطر وما كان دوره في تعريب التعليم الطبي، وهذا ليس بجديد، فهو كمثله كثر ممن كان لهم دور فعال ومحوري في إحداث ثورة مهمة وتقدم ملحوظ في الحركة التعليمية.

ولد مرشد خاطر ضمن قضاء الشوف في لبنان للعام 1888م وفيها تلقى تعليمه وشهادته الجامعية في الطب وحصل على الكتوراه من الجمهورية الفرنسية عام 1911م.

أثناء أدائه الخدمة العسكرية في الجيش العثماني وكَل إليه مهمة ترؤس القسم الجراحي في مستشفى أبي الأسل، وفي 1919 أصبح مدرساً للأمراض الجراحية وسريراتها في المعهد الطبي العربي الذي تولى عمادته الدكتور رضا سعيد ليختار خاطراً عضواً في لجنة تعريب مناهج الطب في المعهد.

ولأن مرشد خاطر كان يجيد اللغتين العربية الفرنسية إضافة إلى براعته الطبية وقع الاختيار عليه ليكون ضمن الكادر التدريسي للمعهد.

مجلة المعهد الطبي

بعد أن أمر رضا سعيد بإحداث مجلة المعهد الطبي العربي أوكل لمرشد خاطر مهمة رئاسة تحرير المجلة وكتابة مقالاتها والإشراف عليها، ومنذ العدد الأول الصادر في 1924م أشار خاطر إلى أن المجلة تهتم بالطب وكل ما يخصه أو يتفرع عنه حيث كانت ملاذاً لممارسي مهنة الطب ولعامة الناس بأسلوب بسيط وجميل، فقد كانت المجلة وسيلة لتلقي المعرفة والاطلاع على آخر المستجدات العلمية والطبية وأداة ممتازة للاطلاع على دراسات وأبحاث طبية كان خاطر قد ترجم وعرّب معظمها.

كان رضا سعيد معنياً بالجانب الإداري بكل ما يخص المجلة على حين أن خاطر هو المسؤول عن التحرير كما ذكر على غلاف المجلة الأخير.

هدفت المجلة إلى خدمة اللغة العربية والعاملين بها والأطباء والصيادلة والناس كافة على وجه العموم فلم تكن موجهة للنساء دون الرجال أو الكبير وليس الصغير.

قدمت المجلة صورة قريبة للأذهان عن المخابر والتشخيص والأطباء والجراحة وبعض الأمراض وطرق علاجها.

لم يكتب للمجلة البقاء والاستمرارية وبدأت بالتراجع شيئاً فشيئاً، فقد انخفض عدد إصداراتها إلى النصف وأصبحت تصدر مرة كل شهرين بعد أن كانت مرة في كل شهر، ففي نسيان 1947م كانت الطبعة الأخيرة من المجلة، وقد عزا البعض ذلك إلى ازمة الورق في وقتها وتزايد الأزمات نتيجة الحرب العالمية الثانية، لكن الدكتور مروان المحاسني كان له رأي آخر في هذا الخصوص فقد علل سبب توقف المجلة إلى تراجع وضع مرشد خاطر الصحي بسبب تحمله أعباء كثيرة أولها توليه رئاسة تحرير المجلة وكتابة مقالاتها وتدقيقها وتصويب أخطائها ومراجعتها وما إلى ذلك.

كتب في المجلة العديد من الأطباء والباحثين من بلدان عديدة من أهمهم: د. مرشد خاطر والدكتور محمد جميل الخاني وأحمد الساطي وابراهيم حقي الساطي والدكتور مصطفى شوقي ود. ماني لوسركل ود. غوستاف جينستاي والدكتور إبراهيم قندلفت وغيرهم كثر.

– يستعرض الكتاب الكثير من مؤلفات مرشد خاطر ومحاضراته التي تمزج بين الأدب والطب لتفيض بالحب والدفء تارة وبالعلم أخرى، أبحاث كثيرة قدمها خاطر من خلال مجلة المعهد العلمي العربي أو من خلال مجلة المعهد الطبي تتعمق في مهنة الطب والعلوم بما فيها التشريح والتلقيح والتمريض والتخدير والجراحة والتوليد والتهاب المرارة والاحتشاء المعوي والعملية القيصرية.

مواقع متعددة

لفت الكتاب النظر إلى براعة خاطر الطبية ونبوغه في الميدان الصحي، ما أدى توليه مهمة وزير الصحة والإسعاف العام في 1952م لمدة تقارب العام الميلادي، ولم يكن المنصب عائق في وجهه لمتابعة عمله في التدريس واستمرار عطائه من فيض معرفته لمن يقصدونه، وقد كان لخاطر كبير الأثر خلال فترة توليه الوزارة حيث تنوعت أعماله بين دور لرعاية الأمومة والطفل ومراكز طبية ومعاهد للتمريض.

اشتغل خاطر كعضو مؤسس للمجمع العلمي العربي وكان له دور عظيم في تعريب مؤسسات الدولة السورية، كما أنه كان عضواً في مجلس الجامعة السورية، وقد حاز أوسمة كثيرة وتكريمات متنوعة تعظيماً لدوره المميز والفاعل في الميدان العلمي والأكاديمي.

لا يمكننا أن ننسى بالطبع الشارع المنسوب لمرشد خاطر المسمى باسمه تخليداً لعطائه الذي لا ينقطع، لا بد أن أغلبنا يعرف هذا الشارع أو مر فيه ذات يوم وهو الشارع الموازي لشارع بغداد القادم من ساحة التحرير باتجاه ساحة السبع بحرات.

توفي مرشد خاطر في 1961 عن عمر ناهز 73 عام أمضاها في البحث والدراسة وخدمة العلم ليبقى مصباحاً منيراً يستهدي بنوره أجيال كثيرة فقد تتلمذ على يده طلاب كثر أصبحوا اليوم أطباء قديرين.

كلمات طيبة في مرشد خاطر

قدم الكتاب في طياته جوانب متعددة وإضاءات مميزة على دراسات مرشد خاطر وعمله الذي نهل منه الكثيرون ويحدثنا منهم الأستاذ إبراهيم حقي ليشيد بأعمال خاطر وفكره العميق فقد كان أستاذاً قديراً مهيباً راجح العقل، ويقول أيضاً حقي فيه: هنالك الكثير من العمليات الجراحية التي لم تكن موجودة أساساً أصبحت اليوم بفضل مرشد خاطر الأنيس في حل مشكلات صحية جمّة كانت تستعصي على أطباء كثر بعد أن قدم كتابه في الجراحة بطريقة سهلية بسيطة وسلسلة لا تصعب على من يقرؤها، ولا ننسى أبداً ترجمته للمعجم الطبي بمساعدة الأستاذين حمدي الخياط وصلاح الدين الكواكبي الذي يعد مرجعاً مهماً في الطب.

وأنار أيضاً الدكتور مروان المحاسني على الدكتور مرشد خاطر مما عاشه وتعلمه على يده: إنه كان شخصاً دقيق الملاحظة شديد البحث والتحري وأنه لم يكن مدرساً عادياً تقليدياً ولم يقتصر علمه على مجال واحد فقد تشكلت العلوم التي تعمق وأبحر بها وتنوعت لغاته، وإنه كان صاحب فضل كبير في تعلم كثيرين للطب وتعمقهم في الجراحة فعم عطاؤه وذاع اسمه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن