اقتصاد

دروس إدارية نتعـلمها من الساحرة المستديرة!

| د. سعـد بساطـة

نظريـة الألعـاب يتم تطبيقها في صلب عـلوم الإدارة؛ ولعـل ما يحصل في المونديال الآن من مفاجآت مدهشة للكرة المستديرة؛ يمكن أن يعـطينا بضعـة دروس في هذا المجال.

توجد الألعابُ حولنا في كلِّ مكان: فالسائقون وهم يناورون وسط الزحام المروري يلعبون لعبة قيادة، وتُجَّار الصفقات وهم يقدِّمون العروضَ يلعبون لعبة مزادات، وعندما تتفاوضُ شركةٌ مع إحدى النقابات العمالية على أجور العام المُقبل فإنهما تلعبان لعبة تفاوض، وسعر رقائق الذرة في السوبر ماركت تحدده لعبةٌ اقتصاديةٌ. هي جولةٍ قصيرةٍ داخل عالم نظرية الألعاب الرائع، وهو مجالٌ جديدٌ يحلِّل كيفية ممارسة الألعاب بطريقةٍ عقلانيةٍ. فيمكن لنظرية الألعاب إلقاء الضوء على كل شيءٍ؛ بدءاً من التجمعات الاجتماعية، مروراً بعمليات صنع القرار، وانتهاءً بالاستراتيجيات الناجحة لممارسة ألعاب الورق.

نبدأ بملاحظة جنسيات لاعـبي الفرق؛ لنستنتج أنه حتى الكرة لم تنجُ من العولمة!

ننتقل لدرس مستفاد من مباراة المغرب وإسبانيا بكأس العالم: من أهم عوامل الهزيمة الاستخفاف بالخصم والاتكاء إلى التاريخ وعدم قراءة الواقع بشكل صحيح وعدم دراسة نقاط القوة والضعف فليس كل ما يحفظه الطالب يفهمه وتأتي الاختبارات بما لا تحتويه الكتب!

أما استقالة مدرب الفريق الألماني فهو تحمـّل للمسؤولية؛ وبمثابة اعـتراف بتقصيره.

نلاحظ: العـرب كلهم يتباهون بفوز المغـرب عـلى إسبانيا: نذكر المثل الشعـبي القائل «القرعة تتباهى بشعر بنت خالتها»!

الطبل غـطى عـلى النايات: لابد من الإشارة إلى أن هوجة كأس العالم تطغى على تطورات أخرى مفصلية وحساسة جداً تحدث في منطقتنا حالياً!

التنبؤ بحركات الخصم: نجح حارس مرمى المنتخب الكرواتي دومينيك ليفاكوفيتش ببراعة في صدّ 3 ركلات ترجيح، وكأنه يعرف أين سيسدد اليابانيون ركلاتهم مسبقاً، وهو ما دفعنا للسؤال: كيف عرف مكان تسديد الركلات؟ الاعتماد على توقّعات محلّلي الأداء الذين يتابعون لاعبي الفرق المنافسة في الدوريات التي يلعبون فيها، ويتعرفون على الزاوية التي دائماً أو غالباً ما يسدّدون فيها ركلات نقطة الجزاء.

الأعـظم يمكن أن يخف أداؤه: ضيـّع ليونيل ميسي، أفضل لاعب في العالم في العقد الأخير ركلتَيْ جزاء في تاريخ كأس العالم، بالطبع لم يضر ذلك كثيراً بالأرجنتين… نطرح سؤالاً مهماً: لِمَ يبدو اللاعبون المتفوقون أكثر اهتزازاً في المباريات المهمة؟ وبشكل خاص، لِمَ يضيعون ضربات الجزاء في تلك المباريات؟ يشرح طبيب نفسي كثيراً ما نجد لاعبي كرة القدم من فئة النخبة يصولون ويجولون في المباريات العادية، يفيضون بحيوية مُتدفقة، ويمتلئون بثقة غير محدودة، لكن ما تلبث الأيام أن تأتي بالمفاجآت الصادمة في البطولات المهمة، فينخفض أداء هؤلاء اللاعبين الأكفاء وربما يتسببون في هزيمة فِرَقهم.

أسباب تشير إليها الأبحاث النفسية التي توضح أنه في المباريات المُهمة التي تنطوي على قدر عالٍ من التهديد والخطورة، تزداد الضغوطات على كاهل اللاعبين وتنخفض مستويات الثقة، وهو ما يجعلهم يقدمون أداء أقل من المنتظر، وخاصة عند تسديد ركلات الجزاء.

مدرب نادي ليفربول الإنجليزي خلال الكلمة التي ألقاها عقب تتويجه بأحسن مدرب في العالم العام الماضي.. قال عبارات ذات حمولة معبرة وملأى بالرسائل: «كرة القدم مجرد لعبة يستمتع بها الناس نهاية الأسبوع… لا شيء يمكن أن تضيفه غير هذا.. لن تحل مشاكل الفقراء واللاجئين.. لن توقف حروباً ولن تأتي بالديمقراطية.. نتلقى أموالاً طائلة لننسي الناس همومهم وتعاستهم لتسعين دقيقة.. ندفعهم ليصرخوا ويهتفوا حتى يهدؤوا وينفسوا عن جوفهم المضطرب… فقط نؤدي وظيفتنا…. وعلى الناس العودة لحياتهم بمجرد سماع صفارة الحكم…. فالحياة لا تتوقف على كرة جلدية مدورة…».

من حقنا الفرح والتنفيس إن فاز منتخبنا؛ لكن سنفرح أكثر إن فزنا على الفقر والجهل وعلى الظلم وعلى الاحتكار والتهميش وإن استطعنا توفير صحة وتعليم جيد. إن فزنا في هذا الأمر سيكون فوزنا فوزاً حقيقياً مثمراً مجدياً سيسعدنا للأبد. أما الكرة رغم أهميتها ففرحنا لحظي محدود!

ربما يكون الفرق بين الفوز والهزيمة أو بين النجاح والإخفاق هو قدرتنا على السيطرة على مؤسستنا ضمن العـولمة الشرسة في نهاية المطاف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن