قضايا وآراء

الحرب الأوكرانية توحد الصين وروسيا بمواجهة الناتو

| الدكتور قحطان السيوفي

أدخل حلف شمال الأطلسي «الناتو» خلال قمته الأخيرة في بوخارست بعض التغييرات على مفاهيمه وسياساته الاستراتيجية، عبر إعلانه أن روسيا تمثل «التهديد الأكبر والمباشر» لسلام وأمن أعضائه، واعتباره أن الصين تشكل تحدياً لمصالح دول التحالف وأمنها.

استغلت الإدارة الأميركية اجتماع حلف «الناتو» في بوخارست، للدفع نحو تأجيج الحرب في أوكرانيا، وفرْض رؤية واشنطن على الحلفاء بشأن التحديات التي تمثّلها الصين وتعهد المجتمعون بإرسال المزيد من القوات إلى الحدود الغربية لروسيا.

كما استُخدم اجتماع بوخارست كمنصة أَعلن منها الحلفاء توسيع نطاق المساعدات اللوجستية المقدّمة لأوكرانيا، ونُقل عن الأمين العام لحلف «الناتو» ينس ستولتنبرغ قوله إن «تمدُّد «الناتو» شمالاً بضمّ فنلندا والسويد، هو بمنزلة تغيير تامّ في قواعد اللعبة بالنسبة إلى الهيكلية الأمنية الأوروبية»، ولم يخفِ ستولتنبرغ تورّط الحلف الرسمي في الحرب الأوكرانية عندما قال إن رسالتنا من بوخارست هي أن «الناتو» سيواصل الوقوف مع أوكرانيا مهما تطلّب الأمر.

من جهته، شدّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على أن أعضاء الحلف «قلقون من السياسات القمعية لجمهورية الصين الشعبية، وحشْدها العسكري المتسارع والعدواني، وكذلك تعاونها مع روسيا».

تدفع الولايات المتحدة الغرب، إلى التعامل مع الصين كعدو استراتيجي أساسي، بعدما ارتفعت وتيرة العداء الأميركي لهذا البلد خاصة منذ إعلان بكين وموسكو شراكة استراتيجية «بلا حدود» في شباط الماضي، قبل أيام فقط من انطلاق الحرب الأوكرانية.

جاء رد الفعل الروسي الصيني سريعاً، جرى التعبير عنه من قبل موسكو بتأجيل محادثات الأسلحة النووية التي كان من المقرَّر أن تبدأ، ما يمثّل انتكاسة لآخر معاهدة أسلحة متبقّية بين القوتَين النوويتَين.

وردت روسيا والصين باتهام الكتلة الأطلسية بالتوسعية وفرض الأحادية القطبية والعمل على افتعال الأزمات حول العالم لكن الرد الروسي الصيني الأقوى على قمّة بوخارست، جاء تحديداً من المجال الجوي لكوريا الجنوبية الخاضع للحماية الأميركية، إذ نفذت طائرات حربية استراتيجية روسية وصينية، يمكن تحميلها بأسلحة نووية، دوريات مشتركة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي انطلقت من قبالة شواطئ جزيرة تايوان، واخترقت منطقة الدفاع الجوي لكوريا الجنوبية.

الصين وروسيا أعلنتا صراحة رفضهما لتوسع حلف «الناتو» شرقا وسعيهما لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، من جانب آخر أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرض عقوبات جديدة على روسيا والصين، بموجب قانون «ماغنيتسكي» الأميركي لعام 2016 وتشمل عقوبات على موسكو لاستخدامها طائرات إيرانية مسيّرة في الحرب الأوكرانية وعقوبات ستستهدف نحو 170 كياناً صينياً، بسبب الصيد في المحيط الهادي.

أدت الحرب الأوكرانية إلى تسليط الضوء من جديد على علاقة اليابان بحلف «الناتو»، وتعد الحرب الأوكرانية ومخاوف «الناتو» المتزايدة بشأن الصين، فرصة ذهبية لليابان للمشاركة في بناء جسور الثقة بين التحالفات الأميركية في أوروبا وآسيا.

من جانب آخر سمح الأميركيون، أخيراً، لحلفائهم الأوروبيين بالتواصل اقتصادياً مع الصين لمحاولة ثني قيادتها عن تحالفها مع روسيا، لكن قمّة بوخارست أعادت الأمور إلى المربّع الأول.

تعمل الإدارة الأميركية على تعميق الشروخ في النظام العالمي بدفْعها أوروبا إلى التخلّي عن شراء الغاز الروسي، واستخدام الأصول الروسية المحجوزة في الغرب لدعم النظام الأوكراني، وفرض سقف عالميّ على أسعار النفط الروسي.

بالمقابل، حثّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، «الناتو» على التخلي عن عقلية الحرب الباردة والبحث عن أعداء وهميين.

من المفيد الإشارة إلى ما ذكره المؤرخ الأميركي ألفرد وليم مكّوي في كتابه «صعود الإمبراطوريات والتغيرات الكارثية» أن الحسابات الاستراتيجيّة الخاطئة للسياسات الخارجيّة الأميركيّة أنفقت 10 تريليونات دولار في سبيل حماية النفط، بينما نفذت مشروعاتها العملاقة؛ وفي طليعتها مبادرة «الحزام والطريق»، دون مواجهات عسكريّة وبكثير من الهدوء والتروي.

ختاما ما حدث في قمة «الناتو» الأخيرة هو نقطة تحول كبيرة، بالتوازي مع قبول عضوية السويد وفنلندا، وبالتالي إضافة 1300 كم لحدود الحلف مع روسيا، وذلك بعد قرارات غير مسبوقة، اعتبرت روسيا تهديدا جيوسياسياً وعسكرياً، وتصنيف الصين كتحد كبير علماً أن الصين هي الشريك التجاري الأول لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، مع ذلك فإن إعادة تشكيل التحالفات وقواعد الاشتباك دخلت طوراً جديداً مع التصنيف الأطلسي الجديد لروسيا والصين الذي يرى المراقبون أنه سيدفع روسيا والصين لتعزيز تحالفهما ووقوفهما معاً في وجه حلف «الناتو»، وربما تحويل شراكتهما الاستراتيجية لتحالف استراتيجي، مما سيعيد تشكيل التحالفات الدولية ويعتبر تحديا مركزيا ووجوديا لأميركا وحلفائها حول العالم.

هذا التطور ترى بكين وموسكو أنه سيساهم في زيادة التوتر عالمياً، ويبدو بطبيعة الحال أنه سيواجه بخطوات وإجراءات مضادة من جانبهما، في سياق رفض الصينيين والروس القاطع لفــرض نمــوذج حكــم أحادي غربي للعالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن