ختم عام 2022 من دون أي تغيرات جوهرية في مجريات الأحداث في الأزمة السورية، فكادت تكون أيامه تكراراً لما سبقها من العام الماضي، من تهديدات مستمرة للإدارة التركية بشن عدوان على الأراضي السورية، وقيامها باستهداف قرى ومناطق سورية بشكل شبه دائم، إضافة إلى استمرار الاحتلال الأميركي بسرقة خيرات وثروات الشعب السوري، ورهان ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» عليه، لاستمرار سيطرتها على ما تسيطر عليه من مناطق في شمال شرق سورية، بما يضمن لها مواصلة «الحلم الوهم» بإقامة «دولة» كردية، بل إن الأسابيع الأخيرة زادت الأحداث تعقيداً وضبابية في المشهد برمته خاصة في الشمال، من خلال محاولة الاحتلال الأميركي الجمع بين «صداقة» الأعداء، «قسد» وتركيا، ومحاولة الميليشيات البقاء في الحضن الأميركي، والتودد إلى دمشق لمواجهة أي عدوان تركي، ورفضها المبادرة الروسية لتسليم مناطق سيطرتها للجيش العربي السوري.
ثمة جملة من الأحداث والموضوعات استحوذت على مشهد 2022 برمته، في أيامه الأخيرة، تمثل أولها بإصرار رئيس الإدارة التركية على إعادة العلاقات مع دمشق، وطرحه مبادرة القمة الثلاثية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي تجمعهما إضافة إلى الرئيس بشار الأسد، وذلك عقب سلسلة من التهديدات والتجهيزات لشن عدوان على مناطق سيطرة ميليشيات «قسد» في شمال شرق سورية، الأمر الذي أربك على ما يبدو الإدارة الأميركية، ودفع بها للمسارعة إلى الدخول على خط الأزمة بين «قسد» وأنقرة، ما شكل الحدث الثاني اللافت في الأيام الأخيرة.
الاحتلال الأميركي، وبهدف قطع الطريق على المبادرة الروسية، التي تدعو إلى تسليم مناطق سيطرة «قسد» في منبج وعين العرب وتل رفعت، لقوات الجيش العربي السوري، عمد إلى إعادة تسيير دورياته المشتركة مع «قسد» في تلك المناطق، بل ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال إعلانه بشكل غير مباشر عن إعادة ميليشيات «لواء ثوار الرقة» المنحلة والتي كانت تابعة له قبل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، لتكون بذلك ذراعه والضامن لعدم شن أنقرة عدواناً على تلك المناطق.
ومن التطورات اللافتة أيضاً دخول إدارة إقليم كردستان العراق على خط الأحداث في الشمال، عبر تسلل ما يسمى الأمين العام للتحالف الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى الحسكة، برفقة القائد العام لقوات ما يسمى «التحالف الدولي» المزعوم لمحاربة الإرهاب بقيادة الاحتلال الأميركي في العراق وسورية الجنرال ماثيو ماكفرلين، وعقدهما لقاء مع متزعم «قسد» المدعو مظلوم عبدي، حيث أكدت التسريبات الإعلامية أن الاجتماع بين طالباني وعبدي تطرق إلى «وهم» جمع مناطق الشمال السوري وتكوين دولة كردية، وأن تلك الزيارة تحمل عرضاً تركياً لـ«قسد» برعاية أميركية.
في غمرة زحمة تلك الأحداث، التي لم ينتج عنها أي معطيات صريحة وواضحة، دخلت ميليشيات «قسد» في دائرة مواجهة الرفض الشعبي لها، واتساع رقعة التظاهرات والاحتجاجات ضدها في مناطق سيطرتها، خاصة في دير الزور، وإن كانت تلك الاحتجاجات انطلقت بشكل مباشر على خلفية حادثة اختطاف سيدة حامل وفتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، وقتلهما قبل بضعة أيام، بعد تعذيب على خلفية «قضية شرف»، إلا أن هناك العديد من الأسباب دفعت إلى اتساع رقعة تلك التظاهرات، أبرزها انتهاكات ما يسمى «مجلس دير الزور العسكري» التابع للميليشيات بحق المدنيين، إضافة إلى عمليات الفساد والتهريب، وتورطه بتصفية العديد من معارضي سياسته من أبناء المنطقة.
وعليه، فإن الأحداث الأخيرة التي تواجه «قسد» وضعتها في موقف صعب، ربما يؤسس لمستقبل لا يرضي سياسات وخطط الميليشيات، خاصة مع انتشار تلك التظاهرات خارج مناطق دير الزور وسيطرة «قسد»، ما ينذر بأن تكون بداية تراجع هيمنة الميليشيات على مناطق شرق الفرات، ودخول المكون العربي، وهو يشكل الأغلبية، على خط إدارة تلك المناطق، إذا ما تم تشكيل مجالس عشائرية، ترغب برمتها في عودة مؤسسات الحكومة السورية إلى تلك المناطق.
من المؤكد أن 2022 الذي لملم «بقجته» مغادراً، لم يكن قادراً على إحداث تغيير جوهري في الأزمة السورية، إلا أنه من المؤكد قد يكون أسّس لذاك التغيير في بداية 2023، وخاصة أن جميع التطورات الأخيرة باتت في عنق الزجاجة نحو حل ما أو حدث يكون قادراً على تحريك مياه الحلول الراكدة في الأزمة السورية.