ألفريد بخاش خطوة مشتركة ثانية لتوثيق السيرة الإبداعية … القضايا التي تناولها أبعدته عن الفوز بالجوائز التي كان يستحقها! .. لأسباب سياسية وأيديولوجية كانت الحسابات الفنية في المعارض الدولية
| سعد القاسم
تكرر الحديث في غير مصدر عن أن تصميم ألفريد بخاش لنصب (السجين السياسي المجهول) قد اختير بين 140 تصميماً عالمياً في معرض (تيت غاليري) في لندن عام 1953. وذهبت بعض المصادر إلى الحديث عن أن هذا التصميم قد فاز بجائزة المعرض الدولي. وقد أرسلت لي السيدة مها حماض – مشكورة – صورة التصميم الذي أنجزه ألفريد بخاش. وصورة غلاف دليل المعرض من دون أن تؤكد – أو تنفي – صحة المعلومة حول المشاركة والجائزة.
الاستعادة للفن
بالعودة إلى ما نشر عن المعرض في المراجع الأميركية والبريطانية وخاصة موقع (صالة تيت)، والألمانية وخاصة موقع معرض (كونستهاوس داهليم) الذي أعاد بين أواخر عام 2020 ومنتصف عام 2021 عرض مجموعة منتقاة من الأعمال المشاركة في معرض 1953، يرد أن الإعلان عن مسابقة النصب التذكاري للسجين السياسي المجهول في عام 1952 من قبل معهد لندن للفنون المعاصرة قدم للفنانين منتدى دولياً واسعاً لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد استجاب أكثر من3500 نحات للإعلان. واختارت لجنة التحكيم عمل النحات البريطاني (ريج بتلر) ليكون الفائز في المسابقة. وقد قام بتصميم بناء معدني على قاعدة حجرية ضخمة تشبه برج المراقبة وبرج الراديو. كما حصل ستة نحاتين مشاركين على جوائز لم يرد بينهم اسم ألفريد بخاش. بطبيعة لا ينفي ما سبق مشاركة ألفريد بخاش في المعرض، وخاصة أن صورة التصميم الذي أرسلته السيدة حماض يرجح تلك المشاركة. غير أن معلومة الفوز بجائزة المعرض لم نجد حتى الآن ما يثبتها.
سيزيف وكبير الآلهة
يذكر موقع معرض (كونستهاوس داهليم) أن معظم المشاركين في المسابقة ابتعدوا عن موضوعها، وقدموا تصاميم مجردة للغاية، وأن جزءاً كبيراً من الجمهور اعترض على التمثيل غير المناسب لمعاناة السجناء التي لم يستطع الفن التعبير عنها. ووفقاً لهذا الرأي فإن الاعتراض لا يطول تصميم ألفريد بخاش فهو مثّل معاناة السجين بمعاناة (سيزيف) الذي أغضب كبير الآلهة (زيوس) في الميثولوجيا الإغريقية، فعاقبه بأن يحمل صخرة عملاقة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها ويظل هكذا إلى الأبد، وليصبح – فيما بعد – رمزاً للعذاب الدائم. وقد استبدل ألفريد بخاش الصخرة بكرة حديدية هائلة كالتي تربط بها أرجل المساجين بواسطة سلاسل معدنية محكمة لمنعهم من الهرب، وأحاط التل (الجبل) بأوتاد معدنية مدببة كأنها أسوار، بينما بطله يتلاشى تدريجياً في رمال التل، بخلاف سيزيف.
الدوافع البشرية
بالعودة إلى موقع معرض (كونستهاوس داهليم) نقرأ: «حاول الفنانون نقل صورة عامة عن المعاناة والسجن، والتي غالباً ما يجب التعبير عنها بشخصيات ودوافع بشرية غير فردية تذكرنا بالأصفاد والسلاسل والحواجز». هذه العناصر (الواجب) توفرها، موجودة بكاملها في تصميم ألفريد بخاش، فلماذا لا نجد اسمه بين الفائزين، ولا نجد نموذج التصميم، أو صورة عنه في المعرض؟
قد نجد الإجابة في سرد الموقع ذاته عن المسابقة إذ يقول: «تم الإعلان عن مسابقة النصب التذكاري للسجين السياسي المجهول في عام 1952 من قبل معهد لندن للفنون المعاصرة على خلفية الصراع بين الشرق والغرب في فترة ما بعد الحرب، فقد عكس سياسة فنية (أيديولوجية) للغاية. وتمت دعوة فنانين من جميع البلدان للمشاركة. لم تكن هناك قيود على العمر أو الأصل أو الأسلوب من أجل تحقيق أكبر عدد ممكن من المشاركات. ونظراً لأن الإعلان لم يحدد أي السجناء السياسيين سيتم إحياء ذكراهم، قاطعت الكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتي المنافسة. وإضافة إلى ذلك، يشتبه في تورط السلطات الأميركية، بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية، في تمويل المسابقة».
لم يفز بأي جائزة!
ما سبق يسمح بالقول إن استبعاد تصميم ألفريد بخاش من الاهتمام – هذا إذا كان فعلاً لم يفز بأي جائزة – لم يكن لسبب فني، وإنما لأنه تناول قضية إنسانية بأفقها المفتوح، لا في إطار ضيق يخدم غاية سياسية محددة.
مسابقة ثانية شارك فيها ألفريد نقاش وأعلمتنا عنها السيدة لبنى حماد. وهي مسابقة أو مباراة (كما جاء في نص الإعلان) اختيار شعار منظمة المدن العربية التي جرت بتاريخ 23 آذار/ مارس 1971 وفاز فيها التصميم المقدم من قبله. وقد أرفقت السيدة حماد – مشكورة – بصورة التصميم صورة عن إيصال استلام ألفريد بخاش من بلدية بيروت جائزة المسابقة البالغة 760 ليرة لبنانية و45 قرشاً. ويورد السيد طارق الفاعوري على صفحته في الفيسبوك قصاصة من مجلة (صوت التلميذ) صادرة عام 1956 تتضمن خبراً عن مشاركة الفنان السوري ألفريد بخاش بمعرض للزجاج في الوﻻيات المتحدة الأميركية في ذلك العام. وقد أرسلت السيدة حماد صورة رسالة موجهة للفنان من وكالة المعلومات الأميركية في واشنطن بتاريخ 3 شباط 1956 جاء في ترجمتها: «عزيزي السيد بخاش: أرفق مع الرسالة كتالوج من (معرض: فنانون آسيويون بالكريستال) الذي زرته اليوم.
كانت شركة ستوبين للزجاج قد أرسلت لك كاتالوج مصوراً- كما أْخبرت – ولكن اعتقدت أنك قد ترغب في معرفة أن قطعتك معروضة بشكل رائع وهي من بين أكثر القطع جاذبية في المعرض بكامله. أنا استمتعت جداً برؤيتها، وسمعت العديد من التعليقات الايجابية. ربما تذكر أن USIA News (أخبار وكالة المعلومات الأميركية) نشرت مقالاً صغيراً عن الرسم التمهيدي (sketch) الذي قدمته عندما تم اختياره من قبل شركة ستوبين للزجاج. وبما أن المعرض افتتح الآن فعلياً، أنوي أيضاً الإشارة إلى القطعة منشورة في عدد شهر آذار من USIA News. يسعدني أن التفت الانتباه إلى عملك. هذه رسالة شخصية تماماً، ولكن اعتقدت أنك ربما تكون مهتماً بالسماع من واحدة شاهدت في الواقع كيف تحول الـ(sketch) الفني للغاية إلى الوعاء الزجاجي الجميل. مادلين ت. هوز – رئيسة التحرير، USIA News». ووفقاً للسيدة سميرة بخاش فالقطعة المقصودة هي رسم لغزلان على الكريستال.
تاريخ لم يكتب
في تعقيب على الحلقة الماضية كتب الفنان والناقد أسعد عرابي: «الفن السوري تاريخ لم يكتب» وهي حقيقة قائمة رغم كل المحاولات البالغة الأهمية التي قام بها نقاد وفنانون أمثال عفيف بهنسي وطارق الشريف وممدوح قشلان وغازي الخالدي وعبد العزيز علون وخليل صفية ومحمود مكي وطاهر البني وعلي الراعي وعبد الله أبو راشد وأديب مخزوم وسواهم. إذ مازال تاريخنا الفني يشكو من الثغرات المعلوماتية، ومن التداول الشفهي لمعلومات غير موثقة، وغالباً ما تكون بغرض تأكيد أهمية الفنان، كما لحظنا في موضوع حصول ألفريد بخاش على جائزة معرض (السجين السياسي المجهول) وما قيل أيضاً عن حصوله على جائزة عالمية برسم الغزلان على الكريستال، وهو أمر لو حدث لأوردته الرسالة السابقة. إضافة إلى الحديث عن الجائزة الأولى التي نالها البخاش في معرض افتتحه (جون فوسردالس)، دون الحديث عن مكان المعرض وتاريخه. وأيضاً ضعف الدقة عند الحديث عن نيله جوائز المعارض التي أقامتها وزارة التربية الوطنية في دمشق بين عامي 1950 و1956. والمقصود المعرض السنوي الذي كانت تقيمه مديرية الآثار العامة بالتعاون مع وزارة المعارف، لا وزارة التربية الوطنية.
إن كتابة تاريخنا الفني بشكل دقيق موثق يحتاج جهداً، ومشاركة يسعدني أن هذه الحلقات تحصل عليها، ومنها لوحتان لألفريد بخاش أرسل لي صورهما – مشكورين- الدكتور عبد الرزاق معاذ، والمهندس عصام نشواتي. الأولى مشهد طبيعي ذو مسحة رومانسية. والثانية وجهية (بورتريه) للفنان الرائد عبد العزيز نشواتي. ولهذا وصفت هذه الحلقة وسابقتها بأنها خطوة مشتركة.