قضايا وآراء

خيارات الغرب في مواجهة روسيا مسدودة

| تحسين حلبي

يثبت سجل الولايات المتحدة الأميركية بأنها من الدول الاستعمارية الإمبريالية التي فاقت كل هذه الدول بما قتلته من مدنيين نساء وأطفالاً في كل حروبها منذ الحرب العالمية الثانية وتوجيهها ضربة جوية بقنبلتين نوويتين على مدينتين في اليابان قتلت فيهما 226 ألفاً، 90 بالمئة منهم من المدنيين نساء وأطفالاً إضافة لمئات الآلاف الذين قتلوا خلال سنوات بالموت البطيء من المدنيين بسبب الإشعاع والتلوث النوويين.

لقد صمتت الدول الحليفة الاستعمارية أمام ما حدث، فتشجعت الولايات المتحدة على قتل المزيد من المدنيين بعد ثورات التحرر الوطني التي أعلنتها الشعوب الإفريقية والآسيوية على الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وعلى الرغم من كل نتائج الحرب العالمية، استمرت هذه الدول الاستعمارية نفسها بسياسة قتل المدنيين في مستعمراتها وفرضت وجودها بالقوة إلى حد جعل، للأسف الشديد، قادة يابانيين حلفاء للدولة الأميركية نفسها وحروبها التي قتلت من شعبهم نصف مليون.

وفي هذه الأوقات يكشف الكاتب الأميركي بريت ويلكينز المختص بنتائج الحروب وسياساتها في مقال بعنوان: «وزارة الدفاع الأميركية وسياسة عدم الكشف عن عدد ما تقتله من مدنيين» نشره في موقع «كومون دريمز» ومجلة «إنتي وور» في 22 من كانون الأول الجاري جاء فيه أن غارات القوات الأميركية قتلت عشرات الآلاف من المدنيين في سورية منذ إعلانها عما يسمى «بالحرب على الإرهاب» واستشهد بدراسة أعدها «معهد واتسون التابع لجامعة براون للشؤون الدولية والعامة»، وتبين منها أن القوات الأميركية قتلت خلال عشر سنوات ماضية 387 ألفاً من المدنيين في سورية والعراق وأفغانستان واليمن وليبيا والصومال وباكستان في حين ذكرت مجلة «أنتي وور» أن الغارات الأميركية قتلت خلال عام واحد منذ 2021- 2022 ما يزيد على 48 ألفاً من شعوب هذه الدول. وبالمقابل تسارع القوات الأميركية مباشرة نحو قتل المدنيين إذا قتل لها مواطن أميركي في الشرق الأوسط حتى لو كان مجنداً في الجيش الأميركي من قوات الاحتلال في العراق أو سورية وغيرها من الدول العربية ولا أحد يتمكن من محاكمتها.

إذا كان النظام العالمي يتحدد بعدد من الهياكل السياسية الدولية مثل الأمم المتحدة أو ما يسمى بـ«المجتمع الدولي» و«القانون الدولي» فإن الولايات المتحدة غالباً ما تفرض على هذه الهياكل التنظيمية العالمية، سياساتها وهيمنتها، وتحدد فيها مصالحها كقوة إمبريالية عالمية تتحكم بقادة دول ورؤساء حكومات في مختلف القارات، وتوظفهم في خدمة سياساتها، ويصبح كل ممتنع عن التعاون مع هذه السياسة من هؤلاء الحكام عدواً لواشنطن، وهذا ما أعلنه بشكل واضح الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عام 2001 حين قال: «من لا يقف معنا فهو ضدنا ويصبح عدواً لنا».

هذه السياسة الاستبدادية الوحشية في التعامل مع دول العالم، هي التي فرضت الآن على جدول عمل دول كبرى مثل روسيا والصين ومعهما الدول التي تناهض كل أشكال العدوان والهيمنة الأميركية، التصدي لهذه السياسة الأميركية الغربية مهما بلغت التحديات المفروضة من أجل الانتصار على هذه الهيمنة.

ولا شك أن المقدمات الواضحة على الأرض التي يمكن التسليم بها حتى الآن، هي أن الغرب لم يتمكن من صد قدرات روسيا العسكرية أو إيقاف ما تحققه من نتائج على الواقع الميداني في أوكرانيا ولا من التجرؤ على شن حرب مباشرة بقواته على روسيا، إذن ما الذي سيحدث بعد وقت ليس ببعيد؟ رأى البعض في مركز «بروكينغز» مثل ستيفين بيفير، في 8 كانون الأول الجاري، أن تسعاً من الدول الأوروبية في حلف الأطلسي من 30 دولة عضواً، توافق الآن على ضم أوكرانيا للحلف وسيشكل ضمها مع استمرار الحرب في أوكرانيا إلى حرب أميركية غربية على روسيا بكل ما تحمله من احتمالات ليست ضئيلة لصدام نووي! وهذا ما يستبعده معظم الدول الأوروبية ولا يفضلونه لأنهم سيدفعون هم ثمن حرب نووية.

ولذلك تشير المقدمات نفسها إلى احتمال عقد مفاوضات بين من أشعل الحرب وهو واشنطن، وبين روسيا، ويبدو أن المسألة أصبحت تتعلق بالموعد الذي تشعر فيه واشنطن بأنها في دوامة لا تحقق مصالحها أو أن الاستمرار على هذا النحو لا يحتمل أن يؤدي إلى عزل روسيا وإضعافها، بل قد يؤدي إلى خسارة واشنطن لعدد من حلفائها في هذه الحرب وخاصة في أوروبا.

في هذه الحال تظل أوروبا هي المفتاح إذا تجرأت على التوجه نحو باب المفاوضات وفرضت هذا الموقف على واشنطن لمصلحة نسبية للطرفين الأوروبي – الأميركي طالما يستحيل عليهما هزيمة روسيا من أوكرانيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن