قضايا وآراء

مع ذكرى اغتيال سليماني.. المقاومة ما زالت حية

| محمد نادر العمري

لم يكن اغتيال اللواء قاسم سليماني مطلع العام ٢٠٢٠ مجرد مصادفة أو اغتيالاً تقليدياً ضمن سياسة الاغتيالات التي انتهجتها الإدارات الأميركية والصهيونية بهدف تصفية عقول وشخصيات تأثيرية، ولم تكن هي المحاولة الأولى لاغتيال مثل هكذا شخصية، ولاسيما أن سليماني تعرض لعملية اغتيال في أحد احتفالات عاشوراء التي حضرها في مسقط رأسه، مدينة كرمان جنوبي إيران، قبل اغتياله بثلاثة أشهر فقط، وظهر بعدها في أحد اللقاءات التلفزيونية لأول مرة برسالة تحدٍ واضحة لأجهزة الاستخبارات التي خططت لهذا الاغتيال، وسبق ذلك محاولات عديدة لتشويه صورة سليماني الذي صدرت بحقه ثلاث عقوبات غربية، تمثلت بداية عام 2006 من الإدارة الأميركية حينها والتي عدته شخصية «إرهابية» نتيجة دوره في إسقاط أهداف عدوان تموز على لبنان، وبعد ذلك ونتيجة الضغوط الثنائية من واشنطن وتل أبيب، وضعت الأمم المتحدة سليماني وعدداً من شخصيات محور المقاومة على قائمة العقوبات بناء على قرار مجلس الأمن 1747، بعد ذلك ونتيجة دوره في التصدي لمشروع الإرهاب بالمنطقة، فرض الاتحاد الأوروبي عام 2011 على سليماني عقوبات متعددة.

سليماني الذي صعد دوره بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران 1979، كان له دور ملموس على صعيد المؤسستين الأمنية والعسكرية في إيران قبل أن يطال تأثيره الدور السياسي، حيث ارتبط بعلاقات مميزة مع العديد من الشخصيات السياسية الدولية والإقليمية مثل الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس بشار الأسد والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، إلى جانب علاقاته المميزة مع قادة الفصائل المقاومة في فلسطين المحتلة وحزب الله ومقدمتهم رفيق دربه كما وصفه الشهيد عماد مغنية.

إذ سعت كل من الولايات المتحدة الأميركية والأجهزة الاستخباراتية الصهيونية وبعض الأنظمة العربية، نتيجة هذا الثقل الذي تمتع به سليماني على الصعيدين الداخلي الإيراني والإقليمي والدولي، لاغتياله بشكل جلي لتحقيق عدة أهداف إستراتيجية:

أولاً- خلق حالة تصدع وانقسام داخل الجيش الإيراني ولاسيما الحرس الثوري الذي كان يرأسه سليماني والحد من تأثير فيلق القدس الداعم لحركات المقاومة ضد المشروع الصهيوني في المنطقة والفاعل في إطار محاربة الإرهاب.

ثانياً- اعتقاد الغرف السود التي خططت وشاركت في عملية الاغتيال، أن استهداف شخصية في وزن سليماني ستؤدي إلى تأزيم وازدياد حجم التظاهرات الداخلية في إيران، وخاصة أنه وبعد فشل الضغوط الإسرائيلية عام 2015 لإقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما لاغتيال سليماني، جهدت الحكومة الإسرائيلية التي تزعمها بنيامين نتنياهو وبرفقة رئيس أركانه أفيف كوتشافي ومدير الموساد حينها يوسي كوهين لهندسة حملة إعلامية منظمة وواسعة لتشويه صورة ودور ومكانة سليماني عند الشعب الإيراني وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية.

ثالثاً- الرغبة الأميركية في إضعاف موقف الجمهورية الإسلامية فيما يتعلق بموقفها التفاوضي حول ملفها النووي، إذ اعتقدت إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن اغتيال سليماني وتأزيم واقع الاحتجاجات الداخلية الإيرانية وتقديم الدعم للمعارضة الإيرانية التي اتخذت من فرنسا مركزاً لنشاطها، سيضع الفريق التفاوضي الإيراني في موقف ضعيف، ما يدفعه للقبول بصيغة التنازلات والتعديلات التي طالبت بها واشنطن.

رابعاً- التوجه الأميركي في تغير دراماتيكية الصراع بالمنطقة مع طهران ومحور المقاومة، عبر انتقالها من تبني حروب الوكالة إلى الاحتكاك والمجابهة المباشرة عبر العودة لسياسة الاغتيالات.

خامساً- الانزعاج الأميركي الإسرائيلي من الدور الذي أداه سليماني في المنطقة ولاسيما منذ عام 2006، والذي ارتبط اسمه مع الدور الذي أدته المقاومة في التصدي لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ومن ثم قدرته على تجاوز الخلافات مع القوى الكردية في العراق بعد اجتماعه مع قوات البشمركة 2011 للمساهمة في التصدي لتنظيم داعش الإرهابي وفق ما أكدته دراسة لمعهد «كارنينغي» الأميركي عام 2017، فضلاً عن دوره في إسقاط المشروع الأميركي بسورية ومساهمته في المعارك الكبرى مثل تحرير حلب 2018، ودوره في توحيد جبهات المقاومة من العراق إلى فلسطين المحتلة مروراً من سورية ولبنان.

سادساً- حرص واشنطن على حفظ مياه وجهها في المنطقة، بعد الحادثة الشهيرة لإسقاط طائرة الدرون الأميركية في حزيران 2019، أي قبل سبعة أشهر من عملية الاغتيال، من الدفاعات الجوية الإيرانية، والمصنفة بأنها الأحدث على الإطلاق وتحمل اسم «RQ-4 GLOBAL» التي تبلغ قيمة الواحدة منها 200 ألف دولار، وتحميل الحرس الثوري بقيادة سليماني مسؤولية ذلك.

اغتيال الشهيد الحي كما أحب مرشد الثورة الإسلامي علي خامنئي وصفه، لم يحقق هذه الأهداف وغيرها للولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وبعض الأنظمة الخليجية، ولم تستطع مسح أحد أبرز شخصيات المقاومة التي تنقلت على جبهات القتال والسياسة والتي كانت قريبة من الناس البسطاء والمقاتلين والشخصيات الدولية، بل العكس من ذلك، شكل اغتيال سليماني ارتدادات عكسية على هذه الدول فالولايات المتحدة تكبلت يداها بعد استهداف الحرس الثوري الإيراني لقاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، ومشروع المقاومة لن يتوقف وهذه غزة خير دليل على ذلك، فضلاً عن فرض حزب الله لإرادته على الكيان الإسرائيلي فيما يتعلق بملف ترسيم الحدود البحرية، وداعش بات في نطاق ضيق، وإيران صلبة في موقفها التفاوض مع الغرب حول ملفها النووي، وربما من بات يستشعر خطأ ارتكاب هذه الجريمة هي مراكز الدراسات الإسرائيلية التي أجمعت أن اغتيال سليماني أدى لكشف الستار عن ملايين الأشخاص الذين انتهجوا من عقيدته وثقافته ومقاومته، وصور مراسم الجنازة من العراق لإيران والمشاركة الشعبية الواسعة هي خير دليل على أن المقاومة بخير وإن ملأتها جروح الحصار والإرهاب الاقتصادي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن