في الحقيقة إن الحظ طائر يحط أينما شاء وفي أي وقت يشاء، والحظ في حدّ ذاته من الأمور الغامضة التي لا تعليل لها ولا وجود مادياً لها أيضاً، فقد يحطّ هذا الطائر على إنسان ما، فإذا هو بين عشية وضحاها يصبح محظوظاً، وقد يتخلى الحظ عن إنسان كان محظوظاً فيصبح منبوذاً، ولعل أصدق ما قيل عن الحظ جاء على لسان أمير الشعراء أحمد شوقي في قوله:
خلق الحظ جماداً وحصى
خالق الإنسان من ماء وطين
فوليد تسعد الدنيا به
ووليد في زوايا المهملين
إمارة الشعر العربي انقسمت بين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، كما انقسم الناس في عصر شوقي وحافظ إلى فريقين، الأول فضّل «حافظ» وآثره عمن سواه، والثاني فضّل «شوقي» كمعجزة شعرية على حبّه لحافظ وإعجابه به، والقليل من وقف مع الشاعرين موقفاً وسطاً.
فضّل شوقي أصدقاؤه الأدباء والمتأدبون المحافظون الذين كان يطربهم أن يقرؤوا لشوقي ما يذكّرهم بأبي العلاء المعري، والبحتري، والمتنبي وابن زيدون، ما جعل «شوقي» يتهافت على معارضة قصائد القدماء المعروفة لأصدقائه، فنظم عدداً من قصائده في مناسبات شخصية واجتماعية عجزت عن إلهامه، وإثارة خياله، فقال فيها كلاماً أشبه بالنثر الصحفي، غير أنه منظوم، ما أوجد في شعره سقطات ليست قليلة، أما الفريق الآخر فأيدوا «حافظ» واهتموا بشعره، ونقدوا «شوقي» وبالغوا وفي تصيّد أخطائه وتجسيم عيوبه، إذا كان نقدهم له رد فعل لمبالغات أنصاره الذين نزهوه عن الخطأ، وهذا الفريق أيد «حافظ» معتبرين إياه أشعر شعراء العربية، وزاد بعضهم مساواة بـ«شكسبير وموليير وفيكتور هيغو» ومن هذا الفريق «العقاد، المازني وطه حسين» وهؤلاء كانوا يرون أن «حافظ» أحق بإمارة الشعر في مصر والوطن العري، من «شوقي».
أما رأي «طه حسين» فقد جاء أيضاً في مقدمة كتابه «حافظ وشوقي» حيث يقول:
«وصل شوقي في شيخوخته إلى ما وصل إليه حافظ في شبابه، لأن «شوقي» سكت حين كان حافظ ينطق، ونطق حين اضطر حافظ إلى الصمت، يا ليت حافظ لم يوظف قط، ويا ليت شوقي لم يكن شاعر الأمير قط».
ولكن هل تنفع شيئاً ليت؟ لقد أسكت حافظ ثلث عمره وسجن شوقي في القصر ربع قرن، وخسرت مصر والعرب والأدب العربي بوفاة هذين الشاعرين العظيمين شيئاً كثيراً، رحمهما الله.