ثقافة وفن

«وجدان» حالة من التطّهر والحساب … مانيا سويد في روايتها تسترجع ما مضى وتعيد الحق المسلوب!

| إسماعيل مروة

«وجدان» الرواية الحديثة صدوراً عن دار سويد للطباعة والنشر للكاتبة د.مانيا سويد، وهي رواية من نوع مختلف ابتداءً من عنوانها (وجدان) مروراً بإفصاح الكاتبة على لسان أبطالها بحقيقة وجود وجدان الشخص الذي يرافق كل واحد، فهو يحمل اسمه وجدان إلى جانب اسم كل شخص من الشخصيات، فلكل وجدانه المرافق من شرق الأرض إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها كما تبدأ الرواية حين يفتح الصباح عينيه، ويهبط وجدان إلى مسرح الحدث.

الإصرار على الضمير

الروائية تنطلق من مسلّمة وجود الضمير، ومن أن الأمور لا بد أن تعود إلى نصابها، وبأنه لا يصح إلا الصحيح «وجدان هو صوت الضمير الكامن داخل كل إنسان، من الناس من يضع أحجاراً فوق صدره ليكمّه، ومن الناس من يشرع له الأبواب ليتنسّم هواء الحرية، من الخطأ الاعتقاد بأن الضمائر تموت، بل إنها أبدية إما ظاهرة أو خفية، فإن ثقلت أحجار المتغطرسين لتحبس صوت الضمير، فلا مناص من تكسيرها ما دام النصح لم يجدِ نفعاً».

فالمسلّمة الأخلاقية لحكم الإنسان والمجتمع هي التي تنطلق منها الروائية، وتراها حلاً بالنصح حيناً، وإن لم ينفع فبتكسير الحجارة عن المتغطرسين! وحين تصدر الرواية في هذا الوقت العصيب من حياة الشعوب، يسأل القارئ نفسه: هل هناك من يحكمه الضمير؟ هل هناك من يحركه الوجدان؟ هل بدأت مسيرة الأحكام الأخلاقية التحكم بالحياة بهذه السلاسة؟ وهل نترك أمورنا لوجدان الظالمين وانتقامات القدر؟

الحكاية والوجود

من سعد الخارج من السجن، ومرافقة وجدانه له، إلى الشهم الذي ينقذ فتاة، إلى تجوّله مع ما تبقى من ذاكرته بعد عشرين عاماً من السجن، تتداعى الأحداث لتسرد لنا صراعات رأس المال، هذه الصراعات التي تجنبها من تجنبها ووقع تحتها من وقع، ومغبة صراع الحيتان، والآليات التي يدهس فيها الأقوياء الأقل قوة من الأغنياء، وذلك للسيطرة على إمبراطوريات المال..! وفي المقابل كل ذلك يتم بهدوء مطلق، وتقفل القضايا، ويقتل من يُقتل، وفي غياب الوجدان، وتضامن الفاسدين تسجل القضايا ضد مجهول وتقفل…!

بخروج سعد من السجن تبدأ الحكاية من منى آخر ضحاياه قبل السجن، فهي التي أنقذها من التحرش، افترسها عندما آنس حبها، وثمة بون شاسع بين الاغتصابين، ووفي أول خروجه من السجن يفعل ذلك مع إنقاذ فتاة أمام المقهى، وكأنه كان محرضاً لذاكرته ليسعى إلى لقاء منى محاولاً تعويضها بالزواج منها، لكنها ترفض بدءاً لأن المرأة القوية فيها ترى مثل هذا الارتباط عدواناً جديداً، لتبدأ الحكايات من خلال حقيبة الأوراق التي ما تزال تحتفظ بها.

توزيع الأدوار والغيبة

قسمت الروائية الأسرة المتحولة إلى ثلاثة أنواع، واحدها يحب الحياة واللهو، وواحد ملتزم الحدود، وواحد يحب المال والجمع، واحد يغادر ولا أحد يعرف مكانه، والثاني يعيش حياة هادئة مع أسرته ليموت، والثالث يبقى مع المال ليكون محور الشركات ومحرك الأحداث، وهذا التوزيع هو الذي أعطى للكاتبة – على الأقل عند نفسها- مسوّغ التشظي المكاني الذي تجاوز الأماكن والقارات، وتناثر الحدث مع بقائه في نقطة الدائرة، فكانت تحرك الأحداث والشخصيات بحرية مطلقة، وكأنها تحمل على يديها خريطة العالم، وإيمانها بالوجدان والضمير دفعها إلى تسخير كل ما في العالم لخدمة هذا الأمر والوصول إلى نتيجة رسمتها من قبل! فالمحامي الذي لم يكن مستقيماً، والضابط والحارس ، بل حتى زعيم المافيا في بوغوتا، والمعتدي والمغتصب والمسؤول والفاسد، كلهم يقعون تحت حراسة الوجدان، ولا تبدو من واحد منهم أي ردة فعل تعترض على الخاتمة المؤلمة التي تنتظره، ويتحول وجدان أو الوجدان إلى حاكم أعلى لا أحد يملك القوة أو الرغبة في الاعتراض عليه!

هل يملك الضمير والوجدان هذه المقدرة للتحكم بالناس من أعتى العتاة إلى البسطاء والطيبين؟

هل هو عالم حالم يقبع في داخل (الهو) عند الروائية تتمنى أن يتحقق ليصبح العالم أكثر عدلاً؟

خدمة للوجدان وللغرض الوجداني سخّرت مانيا سويد الأحداث والأماكن والشخصيات للوصول إلى عالم مختلف وغريب وغير ممكن إلا في زاوية أخلاقية في خبايا الضمير، وليس في حياة الناس، وربما كنا نحن البسطاء، ولسنا ممن تتحدث عنهم الرواية، لا نعيش هذا العالم الوجداني المكتظ بالحلول القدرية التي قد تستحضر أطياف شخصيات لتشارك في تحديد قيمة الوجدان.

المسوغات والمعقول واللامعقول

الغياب والغيبة من الأمور التي تسير فيها الروائية دون دليل فعزيز في غيبة، ما من مؤشر على وجوده إطلاقاً ليظهر من خلال الوجدان والضمير بوجود شاديا هتلر، لننتقل إلى عالم المافيات وبنات الليل وحياة عزيز هناك التي تظهر بمعقولية وتسير بلا معقولية لتعطي مسوّغ وجود شاديا التي يتم التواصل معها! كيف ومتى والطرق؟ المهم تم الوصول لتظهر شخصية عزيز الوفية البطولية لامرأة أخذها من أن تمتهن الدعارة، لسيد من سادات المافيا، ووفاؤه ينتقل بالحب إلى امرأته، ورجل المافيا يصبح حارس الأمنيات وبإشارة منه تطوى الأرض وتنتهي الصعاب ويعرف كل شيء، ويملك القدرة على كل شيء، وكل ذلك تحرقه الكاتبة ضمن مؤشر الوجدان لتثبت قاعدة لا يصح إلا الصحيح، وما خلا السجن والتحرش وموت أم منى مع نوف تسير الأمور بقدرة الوجدان، وتطير الطائرات الخاصة، وتعقد الاجتماعات، وتنتهي الأمور إلى تصفية الفاسدين!

ولا تكتفي الروائية بالحدث، بل تصرح بالحرف عن ذلك «حوكم زياد ومعه عدد من أباطرة الفساد، شنت الحكومة حملة تطهير على الفاسدين، انسحبت الحراسات الأمنية بعد أن اطمأن الجميع على عيشهم بسلام.. صدرت الأحكام، هدأت الأوضاع» طبعاً هذا بعد أن كان بإمكان زعيم المافيا أن ينهي الأمور هناك، لكنه عبر عن رغبة بالقانون، فأعاد الجميع إلى بلدانهم لتسير الأمور كما رسمها هو، وكما أرادتها الروائية من خلال وجدان الذي تؤمن بوجوده.

وأخيراً

وجدان رواية ورؤية حالمة لكاتبتها في زمن التوحش والتغوّل والأوبئة، رؤية يشارك فيها الجميع بالتوجه إلى الضمير والوجدان بما في ذلك الذين يقومون بالفساد من خلال إذعانهم ومسالمتهم وانقيادهم لما يطرأ في حياتهم من دون أي مناقشة أو مجابهة، فيها مساحات للخيال والوجدان، وربما فيها هروب إلى عالم اليوتوبيا في زمن قاسٍ وعصي على الفهم والتأويل.. قد يصلح ذلك في شريط سينمائي عن الخيال الحالم، لكن ما يجري على أرض الواقع أمر مختلف تماماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن