نحو إستراتيجية اقتصادية دولية لمواجهة الإرهاب
| د. قحطان السيوفي
وردني، بالبريد الالكتروني، سؤال (ألا يمكن وضع استراتيجية اقتصادية لمحاربة الإرهاب؟…) الإرهاب نتاج مشروع عالمي ساهمت في تصميمه وإخراجه، بشكل مباشر وغير مباشر، الولايات المتحدة الأميركية وبعض حلفائها الإقليميين في الشرق الأوسط… ووفر صانعوه، منذ البداية، الغطاء السياسي له ليصبح الإرهاب ظاهرة خطيرة، ووباءً ينتشر بسرعة كالخلايا السرطانية ؛ ليرتد على صانعيه لاحقاً… المشهد العالمي اليوم يظهِر أن الولايات المتحدة تدَعي محاربة الإرهاب وهي، عملياً، لا تملك إستراتيجية لمواجهة الأحداث الكبرى… وما تردد الرئيس الأميركي طوال فترة رئاسته، إلا تعبير عملي عن غياب ِ هذه الإستراتيجية…. وهروب من قضايا استراتيجية سبق أن تعهد بمعالجتها ( كالقضية الفلسطينية مثلاً)… وينطبق ذلك على موضوع الإرهاب الذي ساهمت الولايات المتحدة الأميركية في إيجاده وانتشاره… وتقوم اليوم بابتداع ما يسمى تحالفات أميركية أوروبية إقليمية شرق أوسطية ؛ لمحاربة الإرهاب… وهي لا تعدو كونها، عملياٍ، إجراءات استعراضية دعائية غير جادة لعمليات عسكرية جوية… لا نتائج لها سوى إطالة عمر الإرهاب.
إن محاربة الإرهاب بالقوة العسكرية ( أي بالقوة الصلبة) أمر ضروري أساسي وهام… ولكن لابد من وضع استراتيجيات متكاملة مع العمليات العسكرية.. بقرارات من مجلس الأمن الدولي… وفي هذا الإطار من الضروري أن يضع المجتمع الدولي إستراتيجية اقتصادية عالمية للتصدي للإرهاب ومحاربته؛ مثل هذه الاستراتيجية يمكن أن تعتمد محورين اثنين: أولهما ؛ العمل على تجفيف المنابع المالية للإرهاب، وكشف وضرب مصادر تمويله المادية… من خلال مشروع أممي لضبط وسد كل القنوات المالية المصرفية، وغير المصرفية… وكل الإجراءات والقيود التي تعلن عنها الحكومات والمؤسسات المالية الغريبة والإقليمية اليوم، حول الموضوع، لم تؤدِ لنتائج ملموسة… والمؤشرات العامة تبين استمرار تدفق الأموال إلى التنظيمات الإرهابية من قنوات مالية غربية وإقليمية… وكم كان الرئيس الروسي (بوتن) واضحاً في قمة العشرين الاقتصادية الأخيرة في تركيا عندما قال: (إن تمويل الإرهاب يأتي من أربعين دولة، منها دول تحضر اجتماعات قمة العشرين…).
بالمقابل لابد أن تتضمن هذه الاستراتيجية تدمير البنية الاقتصادية الأساسية للتنظيمات الإرهابية… من المعلوم أن تنظيم (داعش) يقوم ببيع النفط المستخرج من الأراضي التي احتلها في سورية والعراق، ويُسَوق النفط الداعشي بمعرفة حكومة أردوغان التركية، بل يقوم نجل أردوغان شخصياً بالإشراف على تسويق النفط الداعشي لتحقيق مكاسب مادية… وقد فجر سلاح الجو الروسي والسوري مئات صهاريج النفط التي يستثمرها تنظيم داعش لنقل النفط إلى تركيا… المحور الثاني لهذه الاستراتيجية الاقتصادية ؛ تعتمد على خطط وبرامج للاحتواء الاقتصادي والاجتماعي من خلال إيجاد فرص عمل للشباب في الدول التي يتم تجنيد الإرهابيين فيها، لإبعادهم عن الفكر المتطرف… في اجتماع عقده أخيراً (نادي مدريد)، وهو منظمة تضم رؤساء دول ورؤساء وزراء سابقين يجتمعون بشكل منتظم ليناقشوا مسائل تهًم العالم. أعدوا إطارا من عشر نقاط لوقف التطرف الإرهابي وكانت إحدى هذه النقاط، الاحتواء الاقتصادي للشباب… في رأيهم أن (الإقصاء الاقتصادي يوجد شعورا بالظلم والمعاملة غير المنصفة، وبالتالي يؤدي إلى زيادة التطرف العنيف) ويتفق معظم المراقبين على أن الإقصاء الاقتصادي هو أحد أسباب التطرف العنيف. لكنه مجرد سبب واحد من أسباب عديدة. فهناك أسباب أخرى سياسية واجتماعية ودينية للتطرف…. وهذا يعني أنه علاوة على السياسة والأمن، ينبغي أن تركز البرامج الساعية إلى مواجهة الإرهاب على استراتيجية اقتصادية واجتماعية… من ناحية أخرى لا تتوافر بعد دلائل علمية للربط بين متغيرات اقتصادية محددة كالفقر والبطالة والمستوى التعليمي بالعنف وعدم الاستقرار. وفي حين يزداد العنف الإرهابي في بعض البلدان الفقيرة، لا توجد شواهد على أن احتمال انضمام الفقراء في تلك البلدان إلى جماعات العنف أقوى من الاحتمال لغير الفقراء… مع الإشارة إلى وجود إرهابيين في دول صناعية متقدمة، ووجود إرهابيين يحملون درجات علمية عالية…. لذا ينبغي أن تتضمن الجهود الرامية إلى محاربة الإرهاب في دول العالم سياسات وبرامج تستهدف تحسين الاحتواء الاقتصادي والاجتماعي؛ كتهيئة المزيد من الفرص للشباب، وتحديث نظام التعليم، وتنمية المناطق المتخلفة والريفية… بالإضافة لقيام المرجعيات الدينية المعنية في العالم بدورها في محاربة التطرف الديني، وتوضيح الأهداف النبيلة، السامية للديانات التي تدعو للمحبة، والإخاء، والتسامح… باختصار على المجتمع الدولي أن يضع إستراتيجيات دولية لمكافحة الإرهاب، تعتمد بقرار من مجلس الأمن الدولي ؛ وتحترم سيادة الدول، من ضمنها استراتيجية اقتصادية لوقف تمويل التنظيمات الإرهابية، وضرب البنى التحتية الاقتصادية للإرهاب، بالإضافة لوضع برامج اقتصادية واجتماعية لاستيعاب الشباب في الدول التي ينتشر فيها التطرف… ولا شك أن التركيز على رؤية سياسية واقتصادية واعتماد مثل هذه الإستراتيجية الاقتصادية الدولية… سيكون متكاملاً مع الإستراتيجية العسكرية المعتمدة من مجلس الأمن ؛ بما يضمن ويحقق القضاء على الإرهاب، واجتثاث جذوره.