اقتصاد

الكلمة التي تعـبـّر عن أوضاع عام 2022

| د. سعـد بساطـة

اعتبرها خبراء اللغة أنها الأكثر توضيحاً وإيجازاً للمعاناة لما شهدته السنة من فظائع؛ وهي «بيرماكرايسيس» ومعناها «الأزمة المستمرة»؛ دمجاً لكلمتين بالإنجليزية «بيرمينانت» كصفة تعني الاستمرار و«كرايسيس» أي أزمة.. وقد شاع استخدامها وتصدرت أحداث العام بصدماته التي أربكت العالم. وتوالت الأنباء عن تعثر سداد بلدان نامية لديونها؛ وزيادة الغلاء الدولي، وأمسى العالم مثقلاً بموجات من الركود التضخمي تتفاوت حدتها بين الدول.

أسدلنا الستار على عام طويل ومحمل بالكثير من الأحداث والقصص والغرائب، ليبدأ عام جديد بكل ما يحمله من آمال؛ وسرعان ما تدور عقارب الساعة وتختلط الأمنيات بالرغبات، فيتلوّن العام الجديد بألوان وتفاصيل متضادة تُشكلها طموحاتنا وخيباتنا.

بنهاية العام، تقوم المؤسسات بمراجعة دقيقة لكل الأرقام والنسب والإحصائيات والبرامج والمشاريع والملفات والخطط سواء أنجزت أو لم تُنجز. كشف حساب كهذا يُسهم بلا شك في كشف ملامح التميز والتفوق، وكذلك يُبرز تفاصيل الضعف والقصور. كم نحن بحاجة لعملية مراجعة سنوية لنُعلّق جرس إنذار ليكشف جاهزيتنا.

دعـونا نستعـرض بضعـة أحداث غير مسبوقة وقعت العام المنصرم (سأقتصر عـلى سرد الاقتصادي منها):

ساعدت معدلات الخصوبة المرتفعة لبعض البلدان بزيادة عدد سكان العالم لأكثر من ثمانية مليارات شخص. لكن الأمم المتحدة تقول إنه على الرغم من ارتفاع سكان العالم من سبعة مليارات إلى ثمانية، استغرق 12 عاماً، إلا أنه سيستغرق 15 عاماً ليصل إلى 9 مليارات، حيث يبدو أن معدلات الولادة آخذة بالتباطؤ.

جرى مونديال ناجح في قطر، بمردود مالي هائل؛ كانت هذه هي النسخة الأولى من البطولة التي تستضيفها دولة عربية إسلامية.

أعلن علماء جامعة أكسفورد بتشرين الأول الماضي أنهم طوروا لقاحاً ضد الملاريا يتمتع بإمكانية «تغيير العالم». من المتوقع أن يتم طرح اللقاح الجديد (الرخيص الثمن) في العام المقبل، وقد أظهرت التجارب أن اللقاح الجديد فعال بنسبة 80 في المئة ضد المرض الفتاك، الذي يقتل نصف مليون شخص سنوياً.

شهدت بريطانية مفاجأة إيجابية حصلت هي أن ريشي سوناك خلفها، وهو أول خبير مالي ملون يتولى هذا المنصب.

باختصار: ذكر محلل اقتصادي شهير، أن العالم متورط في خمس أزمات كبرى تشمل تداعيات جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، والتضخم المرتفع، والتخوفات من الركود، وتحديات الديون في البلدان النامية والأسواق الناشئة، ثم أضاف لها سادسة بحكم الخبرة في اقتصاديات التجارة الدولية وهي الحروب التجارية!

الأزمات ما هي إلا معابر من واقع قديم إلى واقع جديد. هذا نظام دولي أوشك على نهاياته ومن المراقبين مَن يرى أن نهايته قد حلت بالفعل ولكن لم يعلنها النعاة بعد. نحن في إطار ترتيبات جديدة لنظام جديد لم يسفر عن معالمه وقواعده بعد، وحتى يحين زمنه بقواه الجديدة وقواعد ألعابه السياسية والاقتصادية تسير الأمور ببقايا متوارثة قانوناً وعرفاً من النظام الدولي الذي سيصير بائداً وفي ذمة التاريخ كما جرى لنظم سابقة له.

خدعنا عام 2022 حين أطل كالحمل الوديع، فاستبشرنا خيراً بتعاف اقتصادي واسع بعد انتهاء عاصفة الإغلاقات، وتوقعنا زوال عصر الخسائر المالية المروعة، لكنه أعطانا درساً قاسياً لن ننساه أبداً، فقد اشتعلت فيه الحرب الروسية الأوكرانية، وتنامت أعداد الجوعى والفقراء، وزال عصر الأموال الرخيصة، وتفجرت أزمات التضخم، والبطالة، والطاقة، والعقوبات، وزاد تعطل سلاسل الإمدادات وأشباه الموصلات، وتفاقمت الديون، والأدهى أنها معضلات ستستمر معنا في عام 2023 الذي نأمل أن يشهد تعـافياً اقتصادياً تاريخياً.

أختم بصورة لبابا نويل؛ مستغـرباً من أحد المواطنين؛ ويقول: «إيه حكايتك يا بني؟! المشكلات نفسها والأمنيات مثل العـام اللي فااات؟!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن