أعترفتُ بأكثر من مناسبةٍ أني لستُ من هواةِ الشعر قراءة ولا استماعاً، ربما قد يكسر هذا الجدار لدي ما كتبهُ الراحل الكبير «نزار قباني» الذي كنتُ ولا أزال أراهُ كمتنبي عصره و«أبي النواس» الذي كنت ولا أزال أراه من أكثر الشخصيات تاريخياً التي تعرضت للظلمِ والتهميش وتشويهِ السمعة بصورةٍ متعمدة ساهمت بذلك حتى المناهج التعليمية التي تلقيناها والتي لم تراع مطلقاً ما قد يحملهُ التاريخ من تزويرٍ بحقِّ هذا المبدع، ولو كُتب ربما لمن ينتهي نسبهم إليه أن يرفعوا دعوى قدحٍ وذم بحقِّ كل من أساءَ لهذا الفيلسوف العظيم لكسبوا جميع القضايا بالصفةِ القطعية.
لكن ومعَ انتشار فيديو لجنة التحكيم في برنامج أمير الشعراء التي تجادل المتسابق الليبي «عبد السلام سعيد أبو حجر» في خطأ لغوي لم يرتكبه، اضطررت لمشاهدةِ ما قاله هذا المتسابق ليسَ من باب أنني خبير لغوي يقتضي الأمر مني أن أُدلي بدلوي في هذه الحالة الإعرابية، فأنا مجرد صحفي وكاتب قد أرتكب أخطاء أو لنقل هفوات تبقى بعناية الزملاء في التدقيق الذين أعتبرهم صمام أمان لغوي، لكن ما دفعني للمتابعة أننا ومنذ سنوات لم نلاحظ «ترينداً» على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي العربية عليهِ القيمة لحدثٍ خارج سياق طلاق فنانة أو انزياح فستانها لبضعة أمتار من دون علمها، ترينداً لا يُتاجر بفقيرٍ يلقى مساعدة أو تافهاً يصنع محتوى باستغلال حاجة الآخرين وطيبتهم بمسمى دراسة اجتماعية أو كاميرا خفية، ترينداً يتعلق بإعراب كلمة، الحدث كان كافياً أن يعيدنا إلى سنوات ما قبل هذه الحرب اللعينة على عالمنا العربي عموماً وسورية خصوصاً حيث لاشيء يعكِّر صفو حياتنا إلا بعض المشاكل البسيطة، والألغاز المتداولة، كم مرة حاول أبناء جيلنا وصل ثلاثة مربعات بثلاثة مثلثات من دون أن يتقاطع أي خطٍّ مع الآخر؟ وما زلنا نحاول وقد لا نبالغ إن قلنا إن فشلنا في الحل لا يشبهه إلا إخفاق الحلول الحكومية لمشاكلنا الاقتصادية والتنموية!
سخاؤها أم سخاءها؟ بصراحة ليس هذا ما يشغل بالي وبواقعية أكثر لن أقترب من لجنة التحكيم وسأعتبر أن إصرارهم على الخطأ كان من بابِ مغالطة المتسابق واختبارَ صبرهِ لا أكثر هي حقيقة وليست مجردَ تبرير، لن أُهاجم البرنامج لأنني مؤمن بكل جهدٍ يمجد هذه اللغة العظيمة ويُعلي شأنها، في كل دول العالم هناك برامج ظاهرها برامج مسابقات وباطنها إحياء للغة، الجميع في هذا العالم يسعى لإحياء لغتهِ بينما نحن نتباهى بمزجها مع الإنكليزية والفرنسية ثم نجلس لنجلد من اجتهدَ فأخطأ.
سخاؤها أم سخاءها لا فرق لدي، الفرق فقط أن شيئاً جميلاً كسرَ كل هذه الفوضى من حولنا، ليت هناك من يكسر فجأة كل الكوابيس التي عشناها ونعيشها منذ عقدٍ من الزمن عسانا نستفيق منها بعدَ أن أكلَت عمراً لن يعود، ثم نفتح عيوننا فجأة لنرى من وضع ورقة أمامنا مكتوباً عليها بلا تنقيط:
قِيلَ قُتِل فيلٌ قبلَ غروب الشمس! طالباً منا الحل، تخيلوها بلا تنقيط وتذكروا عظمةَ هذه اللغة، شكراً لكل جهدٍ لإحيائها!