اقتصاد

بالأرقام.. أين أموالنا؟

| فراس القاضي

إحدى أعقد مشكلات الإنسان التي تؤرقه من دون أن يعرف أنها سبب لأرقه أحياناً، هي أنه بحاجة لأسماء كي يفهم ويحفظ ويتذكر، بحاجة لمسميات للأشياء كي تتشكل لديه فكرة عنها ويتخذ منها موقفه سلباً أو إيجاباً، وأحياناً ليعرف فقط من دون أن تعنيه فكرة الاصطفاف.

وليس صحيحاً أن الأسئلة وحدها هي صانعة التطور ومُنتجته، لأنها تبقى بلا فائدة حتى تحصل على أجوبتها، وهذا ما يحتاجه السوريون اليوم.. الأجوبة.

آلاف الأسئلة تتكرر في كل دقيقة على ألسنة الناس، من أهمها وأكثرها تداولاً: ما الذي يحصل؟

لن نتحدث هنا سوى عن أمر واحد، عن مشروع إعادة هيكلة الدعم الذي خرج كل الوزراء المعنيين به وأعطوا بعد البدء بتطبيقه مئات التصريحات والوعود، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الذي قال لصحيفة «الوطن» بالحرف: «إن إعادة هيكلة الدعم ستنعكس إيجاباً على المجتمع، وستخفف من عجز الموازنة، وستؤدي إلى تخصيص كتلة مالية لدعم الأسر الأكثر فقراً، ودعم الإنتاج، وكذلك العمل على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، ودعم ثبات سعر صرف الليرة».

ما الذي نفّذ من التصريح السابق وصار واقعاً؟ هل انعكس إيجاباً على المجتمع؟ على العكس تماماً، ازدادت المشكلات بسبب عدم التجهيز الجيد والكافي للمشروع، والأخطاء الكبيرة والكثيرة التي حدثت في عملية الاستبعاد من الدعم، ما أحدث بلبلة وغضباً بين الناس، وارتباكاً واضحاً في المؤسسات الحكومية وخاصة تلك المسؤولة عن إصلاح هذه الأخطاء، وهذا الارتباك مستمر حتى اللحظة.

هل خففت من عجز الموازنة؟ على العكس تماماً، فقد ازداد العجز في موازنة 2023 بنسبة 19.65 بالمئة عما كانت عليه في موازنة 2022، وهذا كلام وزير المالية الذي قاله لصحيفة «الوطن» أيضاً بعد صدور الموازنة.

هل خصصت كتلة مالية لدعم الأسر الأكثر فقراً؟ أبداً، لم يخصص شيء ولم نرَ أي إجراءات علاجية لا إسعافية ولا إستراتيجية لمكافحة نسب الفقر التي تزداد كل يوم.

هل تم دعم الإنتاج؟ على العكس تماماً، بل خرجت الكثير من المنشآت الصغيرة عن الخدمة، ومن الأمثلة على ذلك بقاء أقل من 20 بالمئة من مربي الفروج في السوق لأسباب عديدة تعرفها الدولة.

هل تحسنت القدرة الشرائية للمواطنين وتم دعم ثبات سعر صرف الليرة؟ أعتقد أنه لا داعٍ للإجابة عن هذين السؤالين، فانخفاض كمية المواد التي بالإمكان شراؤها براتب الموظف السوري في كل يوم أبلغ من أي إجابة.

وفي الشق المالي البحت، أي في إجراءات وزارة المالية: ضرائب مهولة اشتكت منها حتى الشركات والكيانات ذات الملاءات المالية الكبرى، وبعضها صار يفكر بالإغلاق، وهذه ليست توقعات، بل أرقام رسمية، فقد تم حل 50 شركة في الأشهر الأربعة الأخيرة من السنة حسب مديرية الشركات في وزارة التجارة الداخلية.

ماذا عن قانون البيوع العقارية الذي يجني المليارات حسب إحصائيات الوزارة ذاتها؟ إضافة إلى رفع ما يدعى بجمركة الموبايلات 50 بالمئة تقريباً وغيرها الكثير من الإجراءات الضريبية.

ماذا عن ترليونات الليرات الموجودة كفائض في البنوك؟ أين القروض؟ وكيف تعطى؟ وكم هو حجم الفائدة؟ ومن يستفيد منها؟

وبقية الوزارات أيضاً شاركت في حفلة رفع أسعار كل شيء، من أجور الاتصالات وأجور الإنترنت، إلى الكهرباء، إلى أوراق المعاملات الرسمية وغيرها، أما أسعار المحروقات.. فحدّث ولا حرج.

ومن ضمن ما وعد وصرح به أغلبية وزراء لجنة إعادة هيكلة الدعم، هو أن الوفر الحاصل من العملية سيذهب أولاً لبند رفع الأجور،فهل استهلك رفع تعويضات بعض الفئات القليلة كل الوفر!؟

وإن عدنا قليلاً إلى جذر هذه المشكلة التي نتجت عنها بقية المشكلات، أي إلى الدعم، اليوم يسأل «المدعومون» أين هذا الدعم؟ ما الذي يعنيني كمواطن إن كانت الدولة تدعم ليتر المازوت لتبيعني إياه بسعر مخفض – كما يدعون طبعاً – لكنني لا أستطيع الحصول عليه إلا من السوق السوداء بأضعاف ثمنه الحكومي، باستثناء النسبة القليلة التي وصلتها حصتها الأولى من مازوت التدفئة؟

هل انتظم توزيع السكر والرز؟ أين الغاز؟ هل لا تزال المشكلة في عدم وجود أسطوانات فارغة؟ أم عدم وجود عمال في معمل الغاز؟ وما الذي يعنيني من كل ذلك؟ وما شأني به كمواطن يعيش في دولة فيها عشرات الوزارات ومئات المؤسسات وعشرات آلاف المكاتب والمواكب والسيارات إن لم يكونوا قادرين على تأمين موظفين لمعمل الغاز، ما يضطرني لشرائها بعشرين ضعفاً أو الانتظار لأربعة أشهر حتى أحصل على الأسطوانة «المدعومة».

بصيغة أبسط: كيف تتفضلون علينا بدعم صار تقريباً غير موجود؟

الجميع يعلم أن لدى الدولة آلاف الأبواب التي تنفق عليها، هذا صحيح بلا شك، لكن عندما تكون الخدمات المقدمة وفق الميزانية (س) هي ذاتها المقدمة عندما تضاعفت هذه الـ (س) أضعافاً كثيرة، فإن من حق الناس – طبعاً وحتماً – أن يسألوا السؤال الكبير: أين أموالنا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن