من دفتر الوطن

عام الصَّفاقة

| حسن م. يوسف

لو شئت أن أطلق اسماً على العام الفارط 2022، أسوة بعام النكبة وعام النكسة… الخ، لما ترددت في تسميته بعام الصفاقة. صحيح أن الرذائل والجرائم لم تولد البارحة بل ولدت مع أجدادنا الأوائل وما تزال ترافق بني البشر في شتى الثقافات ومختلف المجتمعات. غير أن البشر في الماضي كانوا دائماً ينكرون الجرائم التي يقترفونها، والرذائل التي يمارسونها، إما بسبب الخجل، أو الخوف من العقاب. لكننا بدأنا نشهد مؤخراً ظاهرة معاكسة هي التباهي بالجريمة، فرغم أن القوانين السائدة في مختلف أنحاء العالم تجمع على أن «الاعتراف سيد الأدلة» نجد أن كبار المجرمين يتباهون على شاشات التلفزيونات بما جنت أيديهم دون أن يطالهم عقاب!

لا شك أن الحرب التي شنت على سورية هي أبشع وأخطر جريمة حدثت في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد أودت بحياة مئات آلاف المواطنين السوريين، كما ألحقت خسائر بسورية تفوق 442 مليار دولار حسب تقارير الأمم المتحدة، لكن أحد المتسببين بتلك الحرب بلغت به الصفاقة أن يعترف بهدوء وفخر بمسؤوليته ومسؤولية حكومته عن تلك الجرائم على الملأ، دون أن يخشى عقاباً أو حساباً. والصفاقة القصوى هي أن ذلك المخلوق كان يتحدث عن جرائمه بفخر كما لو أنه هو من صمم مركبة ناسا الفضائية التي نجحت في 28 أيلول الماضي، في تغيير مسار جرم فضائي كان في طريقه لتهديد الأرض عبر صدمه عمدا وحرفه بأمان، بعيداً عن مساره الأصلي! والأكثر صفاقة من هذا المجرم الذي شبه سورية بأنها (صيدة)، هو مؤسسات العدالة الدولية التي سمعت اعتراف هذا المجرم بجريمته الكبرى مباشرة على الهواء، دون أن تفعل شيئاً!

من أطرف حالات الصفاقة في العام الماضي، تشكيك الصحافة الفرنسية بأهمية فوز الفريق المغربي في مونديال الدوحة، لأنه ليس عربياً خالص النسب، على حين أن الفريق الفرنسي نحو 90 بالمئة من لاعبيه هم من الأفارقة. ومن ألوان الصفاقة أيضاً أن يقوم شخص فقير بتمزيق سرواله الوحيد لمجرد أنه رأى في صورة غنياً يرتدي سروالاً ممزقاً! ومن أسخف أشكال الصفاقة التي انتشرت هذا العام أن الشاذين جنسياً قد انتقلوا من المطالبة بحقهم في الممارسة، إلى المطالبة بحقهم في الإعلان عن ذلك! أما أكاذيب المسؤولين الفاسدين عندنا فلم تعد تدخل في مجال الصفاقة بل باتت من الممارسات اليومية العادية.

في الختام أود أن أحكي لكم عن ضرب من الصفاقة مورس ضدي مؤخراً، فقد تعرض حسابي على الفيس بوك لأكثر من عملية اختراق من قبل (أولاد الحلال) فما كان من إدارة فيس بوك إلا أن أغلقت حسابي في وجهي بحجة الدفاع عنه وعني! وأنذرتني بأنه سيغلق نهائياً بعد شهر إذا لم أتمكن من الدخول إلى الحساب الذي قامت هي بإغلاقه! وقد وجهت رسائل عديدة لإدارة الفيس بوك وقدمت لها صورة عن هويتي وجواز سفري لكن رسائلي قوبلت بالتجاهل حتى الآن، كما فشلت كل محاولات الخبراء لاستعادة الحساب.

المضحك في الأمر هو أن إدارة فيس بوك تستطيع، وبسهولة تامة، أن تعرف من هو القرصان الذي اخترق حسابي، وهي قادرة على معاقبته وحرمانه من الدخول إلى مجتمعها، لكنها اختارت طريقة قراقوش في حل المشاكل! ولإيضاح بشاعة ما جرى سأعيد سرد قصة إغلاق حسابي لكم كحكاية: نجح لص ماهر في التسلل إلى منزلي وغيَّر قفل الباب، فلم أتمكن من الدخول إلى بيتي، وعندما استدعيت الشرطة تجاهلت وجود اللص مع أن مكانه معروف، وتركتني في الشارع بعد أن أغلقت بيتي في وجهي بالشمع الأحمر «حرصاً على سلامة البيت وسلامتي!».

«فياله من عمل صالح يرفعه اللـه إلى أسفل» على حد قول أبو نواس!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن