من دفتر الوطن

يوم من عمري!!

| عصام داري

حاولت أكتب مذكراتي مثل كبار المشاهير من سياسيين وأدباء وفنانين، فأنا أمتلك القلم والدفتر، ومن يحمل القلم لا يكتب اسمه من (الأشقيا)، أي الأشقياء كما كانت جدتي وأمي تقولان في ذلك الزمان الفائت.

ما المهم في حياتي المتواضعة كي أسجله في دفتر يومياتي؟ وهل يجب أن أسرد تفاصيل حياتي المملة والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كي أعطي هذه المذكرات المصداقية والأهمية والجاذبية التي تشد القراء؟

سأبدأ بالصباح الباكر، نخرج من مملكة النوم الذي أسميه الموت المؤقت، فلا يوجد فرق بين النائم والميت إلا عملية الشهيق والزفير المستمرة على طول الخط.

بعد رياضة الصباح الخفيفة للحفاظ على الرشاقة، وبعد الحمام الساخن والساونا يحين موعد الإفطار وهو إفطار خفيف مؤلف من صحن من الجبنة الفرنسية أو الهولندية، واللبنة البلدية «المدعبلة» وزبدة لورباك أو أي نوع من الزبدة الهولندية الفاخرة، وطبعاً بعض أطباق العسل الممنوع وعصير الكريب فروت، و«الحواضر» الأخرى من زيتون وكرواسان وغيره، حسب الطلب.

بعد هذا الإفطار الخفيف أقوم بجولة في سيارتي التي اشتريتها مؤخراً بمليارين ونصف المليار ليرة سورية (من طرف الجيبة)، فأتفقد المصانع والمزارع في بلدي وحركة العمال والموظفين والمدارس والمحاكم والمستشفيات، وأطمئن على أننا بخير ولا ينقصنا كهرباء ولا بنزين ولا مازوت وغاز وغير ذلك من أمور ثانوية لا تقدم لنا شيئاً مهماً، فحياتنا عنوانها السعادة والبساطة، أي بساطة العيش، وكما قالوا: على قد بساطك مد رجليك، أو «رفاع» رجليك لا فرق!.

بعد هذا التعب من كثرة التجوال مرة بالسيارة وأخرى بالمروحية، أستريح عدة دقائق في المنتجع القريب الذي أمتلك بعضاً من أسهمه حتى يحين موعد الغداء الذي يختاره الشيف بوراك ليتناسب مع برنامجي الصحي، وعادة يدخل في قائمة الطعام لحم الغزلان ولحم العجل الأبيض الذي لم يتجاوز عمره الشهر في أبعد حد، إضافة إلى سمك السلمون والكافيار والجمبري «أي القريدس» ومن ثم حلويات شرقية وغربية لـتأكيد وحدة الإنسانية فلا شرق ولا غرب، وفي النهاية طبق الفاكهة الاستوائية والمدارية والعجائبية!.

بعد كل هذا العناء لا بد من قيلولة مع «الزغلولة!» مع صحن تبولة وعصير فريش من بقايا الفاكهة التي كانت من ضمن قائمة الغداء المذكورة أعلاه، وتستمر هذه الفترة حسب الجو، وقد تمتد لساعتين، حتى يحين موعد السهرة الصفراء ثم الزرقاء وصولاً بالطبع للسهرة الحمراء التي تستنفد قوتي بالكامل وتجبرني على النوم المتأخر قليلاً، وأنا بطبعي أخاف أن أنام وحيداً فترافقني بعض المشرفات على صحتي وحياتي فأسمع منهن حكاية قبل النوم وحكاية بعد النوم، وحكاية النوم نفسه، لذا أستيقظ في الصباح وأنا في غاية النشاط والقوة فأعيد برنامج اليوم السابق مع تعديلات طفيفة لزوم التغيير والمزاج.

وبعد، ألا ترون أن مذكراتي ممتعة ومهمة وتقدم وجبة دسمة عن طبيعة يوميات أي مواطن سوري، وهذا يدعوني للتساؤل بحزن: ماذا ينقصنا وكل شيء متوفر عندنا؟ ولماذا شعبنا الطيب لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب؟.

هذه القصة تلخص يوماً من عمري، ولا علاقة لفيلم عبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت بها من قريب ولا من بعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن