تأبين صفوان القدسي المؤمن بالصيغة المتقدمة في العمل السياسي … نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية اللواء محمد الشعار: القدسي أغنى الجبهة بفكره السياسي والتنظيمي
| مايا سلامي - ت: مصطفى سالم
أقيم صباح أمس في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق حفل تأبين السياسي والمفكر الراحل صفوان القدسي بحضور الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي هلال الهلال، ونائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية اللواء محمد الشعار، وعدد من الوزراء وأمناء الأحزاب وحشد من الصحفيين والإعلاميين.
فارس المواقف
كلمة المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي ألقاها عبد الرحمن العيسى، وقال فيها: «عذراً إن كانت شفاهنا واجفة راجفة تتهيب الحديث عنك وقد كانت الأحاديث قبل أسابيع معدودات تصدر منك، نرثيك أبا خالد وفي قلوبنا رقدت غيوم الحزن السوداء، ولا نبكيك اعتراضاً، وإنما نبكيك فقداً واشتياقاً لأننا ما زلنا نشعر بدفء الأماكن التي جمعتنا وبكلام طيب منك سمعنا».
وأضاف: «سورية ورجالاتها افتقدتك وافتقدت فكرك الوطني والعروبي ودفاعك عن الوطن وحماسك في الدفاع عن ثوابته، وافتقدت من كرّس جل وقته للشأن السياسي العام والأداء الحزبي المتميز، ولمن كرس ثوابت التجربة الناصرية ولمن أدخلنا إلى عالم القائد حافظ الأسد الرحيب، ولمن جعل من حزب الاتحاد الاشتراكي يصطف خلف القيادة الحكيمة للرئيس بشار الأسد».
وتابع: «افتقدت سورية لمن آمن ودافع عن الصيغة المتقدمة في العمل السياسي والتزم وحزبه التزاماً تاماً بميثاق الجبهة الوطنية التقدمية، ولفارس المواقف ولمن كان كتاباً جمع فصولاً عديدة طيلة ثمانين عاماً، ولسفير اللغة العربية الذي لا يهادن من يخطئ في قواعدها وللمفكر العروبي وللكاتب المبدع الوحدوي الناصري الجامع».
قامة قومية ناصرية
وقال الأمين العام لمؤتمر الأحزاب العربية قاسم الصالح في كلمته: «نلتقي اليوم لنحيي ذكرى الراحل الكبير صفوان القدسي رئيس المؤتمر العام للأحزاب العربية، هذه القامة القومية الناصرية العروبية الغنية بالعلم والمعرفة والثقافة، والذي كان أيضاً قمة في الخلق والأدب الجم والتواضع والزهد عن كل مغريات الدنيا».
وأشار إلى أن الراحل عاش في العقدين الأخيرين يستنشق عبق الانتصارات التي كان يتطلع إليها، وكان مؤمناً بنصر سورية على الحرب الكونية التي شنت عليها مراهناً على صمودها وفياً لقائدها، منوهاً إلى أنه لم يبارح دمشق طيلة سنوات الحرب وبقي مرابطاً في مكتبه من دون خوف أو وجل فما هان أو استكان أو يئس.
وأكد أن الراحل قاد حزب الاتحاد الاشتراكي العربي وسط الأنواء والعواصف، فكان حزباً متماسكاً محصن فاعل وطني وقومي، إلى جانب أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، معتنقاً فكر الزعيم جمال عبد الناصر والقائد الخالد حافظ الأسد ومسيرة الرئيس الحكيم بشار الأسد.
وطني أصيل
كما بين رئيس اتحاد الكتاب العرب د. محمد الحوراني في كلمته أن صفوان القدسي اسم من كبرياء ونقاء وراحل سطر أبدية حضوره بأصالة انتمائه إلى أمة لها تاريخها العريق وكبرياؤها التليد، مثقف من درجة رفيعة نهل من مدرسة الشجاعة العاقلة والحكمة الجسورة، فغدا أستاذاً في الفكر ومرجعاً في السياسة ومدرسة في الثبات والانتماء.
وأوضح أن الراحل وطني أصيل وعروبي قومي حارب الفكر المتطرف ودعا إلى ثقافة الاعتدال والتسامح عبر كتاباته ومقالاته التي رمت ذلك الفكر خارج التاريخ، فأصبح مفكرنا الجسور الحاذق على قائمة المستهدفين من أعداء الثقافة وأصحاب التلوث الفكري.
وأشار إلى أن صفوان القدسي كان مثالاً للمثقف العروبي الحازم في عمله والصادق مع نفسه ومع أمته والمخلص لالتزاماته السياسية والثقافية، مؤكداً أن ذكراه ستبقى في كل ما أنجزه وحققه في المواقع والأماكن المهمة التي شغلها، وسيأوي إلى فكره كل باحث عن الأصالة والحقيقة، وأن شجرة حياته لا تزال خضراء ولا نزال نجني ثمارها اليانعة، حتى بعد عودته إلى منابع الصفاء والخلود بعد حياة حافلة بالعطاء.
وشدد على أن الراحل الكبير مثل تطلعات جيل من الرواد القوميين العرب وكان في طليعة من رد على مناهضي الوحدة العربية وهو السباق في أصالته ومبدئيته المتجذرة، ولم يتخل يوماً عن كل ما من شأنه أن يرتقي بالعمل المشترك وينهض به بعيداً عن الحسابات الضيقة والمصالح الشخصية.
عربي صادق
أما مسؤول العلاقات العربية والدولية في مجلس الشعب عمار الموسوي فأكد بكلمته أن الراحل كان مؤمناً بفكر ومبادئ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وملتزماً نهج القائد الخالد حافظ الأسد، وشغوفاً بوحدة الأمة وقيامة جناحيها متعافيين متكاملين وكأي عربي صادق وشامي مخلص يحضن الحلم الأجمل في تاريخ هذه الأمة، لم تسقط هذه الأطروحة من عقله ولم تتعر في وجدانه بل بقي حانياً عليها حاضناً لها متشبثاً بها طريق نهوض وانبعاث.
وقال: «لقد غادرتنا أيها الراحل الكبير مثلوج الصدر مطمئن القلب ونحن نزيدك من اليقين حرفاً بأن ما هتفت له روحك ولهج به قلبك قبل لسانك سيبقى مرفوعاً مشرقاً شامخاً، فها هم أبناء فلسطين وفتيانها يصرخون في وجه المحتل ويرفعون قبضاتهم ويسددون بنادقهم وخناجرهم، وها هي الشعوب العربية تنفض عن كاهلها عار المطبعين وتصفع الخائنين الصهاينة بأن عواصم العرب لن تكون مرتعاً لثعالب بني صهيون».
وشدد على أن سورية اليوم وغداً ستعود إلى موقعها ومكانتها، فمحنة سورية كانت كارثة على الواقع العربي الرسمي والشعبي وعلى الأمن القومي العربي، منوهاً إلى أنه لا جامعة عربية من دون سورية ولا احتضان لقضايا الأمة وأقطار العرب من دون دمشق عاصمة العرب.
فكره السياسي والتنظيمي
وتحدث نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية اللواء محمد الشعار في كلمته عن الدور الكبير للراحل في الجبهة، فقال: «لقد شارك المرحوم صفوان القدسي في القيادة المركزية للجبهة بعد مدة ليست طويلة على تأسيسها وأغنى هذه الجبهة بفكره السياسي والتنظيمي من خلال ميثاقها ونشاطها في أنحاء سورية، ولم يقتصر تأثير صفوان قدسي على الجبهة الوطنية التقدمية بل امتد ليشمل الأحزاب القومية العربية من خلال مشاركته في مؤتمرات الأحزاب العربية على مستوى الوطن العربي».
وأشار إلى أن الراحل أمضى معظم حياته في ميدان الثقافة والأدب والإعلام والفكر القومي فتبوأ رئاسة تحرير مجلات أدبية وفكرية مهمة على المستوى الوطني ودخل معترك السياسة مبكراً، فكان له ما يستحق، وتسلم قيادة حزبه الذي كان من الأحزاب المؤسسة للجبهة الوطنية التقدمية إلى أن وافته المنية.
وأكد أن نشاط الراحل في الجبهة الوطنية لم يقتصر على الكتابة والفكر بل امتد ليشمل العمل الميداني من خلال الجولات التي قامت بها الجبهة على محافظات القطر خاصة خلال الحرب الظالمة، منوهاً إلى أن مواقفه في هذه الجولات تميزت بالتأكيد على وحدة البلاد وسيادتها على أراضيها.
علمني وعلمني
ومن جهتها قالت ابنة الفقيد دانيا القدسي: «كيف أتمالك نفسي ولا تخذلني رباطة جأشي وأنا أتحدث عن إنسان استثنائي في حياتي وحياة كل من عرفوه؟ أنا لست في معرض الحديث عن المفكر القومي صفوان القدسي أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، فهناك الكثيرون حتما ممن هم أقدر مني على التأريخ لمسيرته النضالية والإضاءة على دوره المهم في تسطير صفحات ناصعة من عمر الوطن، أنا هنا لأحكي لكم عن أب ليس بالعادي، رائع بسجاياه، سخي العواطف، لطالما تجاوز حنانه كل المقاييس الاعتيادية فكان الوالد والصديق والكتف التي كنت أتكئ عليها كلما وقعت في ضيق، أو قست على الأيام، ليقويني ويمدني بالهمة والعزيمة والصلابة لأواجه الصعب وأهزم اليأس».
وأضافت: «أب معطاء كريم لم يبخل عليّ يوما بالإرشاد والنصح لأسيرعلى الدرب القويم والأخلاق الحميدة التي أنشأني عليها كما نشأ هو في كنف والديه الكريمين، ولأدرس وأجتهد وأسعى بشكل دؤوب لتحقيق طموحي ولأصبح ما أنا عليه اليوم خدمة طلابي وطالباتي في كلية التربية، لقد علمني من جملة ما علمني أن عظمة الأنسان مهما علا شأنا تكمن في تواضعه وبمقدار مافي نفسه من نقاء وتسامح وعفة، علمني المثابرة وعدم الاستسلام حتى بلوغ الهدف ونيل المراد علمني وعلمني وعلمني».