يستطيع حتى المبتدئ في السياسة قراءة التغير الواضح في اللهجة الغربية تجاه الأزمة الأوكرانية، لتكون الكلمات الأميركية والأوروبية عن نفاد الأسلحة والذخائر معروفة المرامي والأهداف، وخاصة عندما تصدر عن عواصم القرار الغربي التي كانت ومازالت رأس الحربة في العداء لموسكو.
القرار الغربي بذبح البقرة الأوكرانية صدر، وبقيت تفاصيل عملية التخلص من نظام كييف الذي أصبح عبئاً دون نتائج، فمن مخاوف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن توفير الذخائر العنقودية لأوكرانيا، إلى العنوان الأكثر غرابة في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية والتي قالت فيه «إن الغرب بدأ يتفهم المسوغات الروسية للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا».
اللهجة الأوروبية الغريبة بدت في تفاصيل المقال المنشور في الصحيفة البريطانية للكاتبة ماري ديجيفسكي، والتي تحدثت فيه حول مطالب روسيا المتعلقة بالأمن الدولي، واصفة تلك المطالب التي بدأت بسببها عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، بـ«مشروعة ومنطقية» مؤكدة أنه «عندما تشعر روسيا بالأمان في حدودها التي تشكلت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، حينها فقط سيشعر جميع جيرانها أيضاً بالأمان في حدودهم»، ووفقاً للكاتبة، فإنه من أجل ضمان استقرار القارة، من الضروري تطوير آليات جديدة لمنع نشوب صراعات، وهذه الآليات يجب أن تكون مدعومة بقواعد تحديد الأسلحة، مشددة على أن السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق في أوروبا إلا إذا توافرت هذه الشروط، وبخلاف ذلك سيستمر خطر نشوب حروب جديدة، وحتى يمكن أن تكون نووية.
المسؤولون الأوروبيون أدلوا بدلوهم فيما يخص هذا الموضوع، وأولهم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي قال: «إن الحرب الروسية في أوكرانيا استنزفت مخزونات الأسلحة لدى التكتل، وأظهرت أنه يفتقر إلى قدرات «حيوية» للدفاع عن حدوده»، وأضاف خلال مؤتمر دفاعي في بروكسل: «إن هذه الحرب في أوكرانيا مثّلت إنذاراً كبيراً لكثيرين منا، ويجب أن ندرك أن مخزوناتنا العسكرية تستنفد بسرعة بسبب سنوات من نقص الاستثمار».
السياسي الفرنسي فلوريان فيليبو زعيم الحركة الفرنسية «باتريوت» سجل موقفاً إضافياً حول مواصلة بلاده تزويد أوكرانيا بالأسلحة بالوقت الذي يفتقر فيه الجيش الفرنسي إلى الأسلحة، حيث قال: «مخزوناتنا العسكرية على وشك النفاد، لكنّنا نواصل إرسال الأسلحة والذخيرة! دعونا نوقف هذا الجنون التام!»، فيما كانت صحيفة «لوبينيون» قد نشرت في وقت سابق مقالاً بعنوان: «الجيش الفرنسي: اضمحلت المخزونات العسكرية بشكل عام»، والتي تتحدث عن خفض القوات المسلحة في البلاد بين عامي 2007 و2016 بسبب إصلاحات في الميزانية تمّ تنفيذها بعد نهاية الحرب الباردة».
التخلي عن أوكرانيا بات العنوان العريض لفحوى اجتماعات الغرب التي ترنو الآن لقضم ما تستطيع من أراض أوكرانية من جهة، وقطع كل المساعدات والدعم عنها من جهة ثانية، لإزاحة ثقل ما ورطت نفسها به عن كاهلها ومحاولة التعويض بشتى الطرق عن كل الخسائر التي ألمت بها والحبو مجدداً بخطوات حذرة نحو روسيا متى سنحت لها الفرصة بذلك.