رؤية فنية للمنتخب المغربي قبل مواجهة الفرنسي … هكذا تفوق الأسود على نجوم المنتخبات الكبيرة
| بقلم المدرب فيصل غازي
شكل تأهل المنتخب المغربي إلى نصف نهائي النسخة الثانية والعشرين من بطولة كأس العالم مفاجأة كبيرة لم يتوقعها أشد المتفائلين بفريق الأسود، ومع كل ظروف مثل هذه البطولات والمباريات المتتالية لا شك أن عوامل عديدة ساهمت في تحقيق الفريق لهذا الإنجاز التاريخي، ومنها الحظ في بعض الأحيان والتوفيق في أحيان أخرى، لكن لا يمكن إغفال العمل الكبير الذي قام به اللاعبون على المستوى الخططي والتكتيكي في الملعب، وبالطبع فإن الفضل الأكبر يعود إلى الطاقم الفني المشرف على المنتخب بقيادة المدرب الوطني وليد الركراكي الذي بدأ رحلته حديثاً مع أسود الأطلس، ماذا فعل هذا المدرب الطموح بالفريق؟ وكيف حوله من فريق إفريقي كبير إلى منتخب عالمي مهيب الجانب؟ نحاول الإجابة في السطور التالية.
البديل المثالي
قبل أقل من شهرين من انطلاق المونديال أنهى الاتحاد المغربي لكرة القدم عقد المدرب البوسني (الفرنسي) وحيد خاليلوزيتش الذي تسلم المهمة عام 2019 وقاد الفريق في التصفيات ونجح في تجاوزها من دون هزيمة إلا أن مشاكل رافقت مشواره مع الأسود فأبعد أو ابتعد بعض النجوم بسبب خلافات معه فلم يجد الاتحاد بداً من حل جذري فكان الاستغناء عنه وسط مطالب جماهيرية لعودة اللاعبين المبعدين، ولأن وليد الركراكي بطل الدوري المغربي ودوري أبطال إفريقيا في الموسم المنصرم وأنهى عقده مع الوداد فقد جرى استدعاؤه كمدرب طوارئ وذلك مع مطلع الشهر التاسع، ولم يخيب الركراكي اللاعب الدولي السابق الآمال وخاصة أنه عاش تجربة كبيرة مع عدد المدربين ونجح بالتتويج بألقاب عديدة، والأهم فقد كان قربه من اللاعبين الدافع الأكبر ليشكل منهم مجموعة ناجحة وسط الأجواء الأسرية الحميمية التي وفرها الجميع من مسؤولين ولاعبين وطاقم فني وإداري وحتى أهالي اللاعبين الذي التفوا حول أولادهم فكانت صورة مثالية لمنتخب يشارك في بطولة كروية كبرى.
الركراكي وجه السعد
ولابد في البداية من الإشادة بالجهاز التدريبي لمنتخب أسود الأطلس لقراءته الجيدة خلال مجريات المباريات التي جرت في دوري المجموعات لمونديال قطر.
قدوم الركراكي لقيادة المنتخب القطري شكل عدة أسئلة حول قدرة الفريق على التنافس والوصول إلى كأس العالم وهذا الأمر يتوقف فنياً على ثبات الفريق على تشكيل وأسلوب لعب فعال وواضح ومستقر ومتزن.
يسهل عمل المدرب كلما كانت مجموعة اللاعبين ممتازة ولكن ضمن دوري مجموعات عدد مبارياته لا تتجاوز عدة مباريات الأهم هو الاستقرار وهذا يعتمد على الشكل واللاعبين.
إذ لا يمكن لأي تشكيل لعب النجاح مع المنتخب المغربي، ولكن بلوغ مرحلة التفوق على الفرق الكبيرة مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال يحتاج إلى الاستقرار على الأفضل، وأعتقد شخصياً أن تشكيل (1-4-1-4) هو الأفضل ولاسيما بعد استقرار عمق الدفاع المكون من نايف أكرد ورومان سايس، إضافة إلى جواد اليامق والظهرين يمين اشرف حكيمي ونصير مزرواي كظهير أيسر، أما في منطقة الوسط فأعتقد أن تمركز عزالدين أوناحي بجانب سفيان مرابط قد حقق الفعالية الهجومية إضافة إلى وجود عبد الحميد صابري وسليم أملاحي كصانع العاب هجومي، أما على اليمين فيعتمد على حكيم زياش وعلى اليسار سفيان بوفال وفي المقدمة يوسف النصيري، وقد منح هذا التشكيل الفريق المغربي قوة وتوازناً أكبر مع الثبات والتركيز على تصحيح الأخطاء.
لكل مقام مقال
المنتخب المغربي قدم أداء قوياً تميز بالمرونة والسرعة وتمكن من التحكم في مجريات أحداث المباريات بشكل كبير وشهد تألقاً واضحاً لرباعي خط الدفاع في كسر الهجمات المرتدة للمنتخب البلجيكي وكذلك للمنتخب الإسباني والبرتغالي بقراءة ممتازة تحسب للكادر التدريبي وطاقمه على المستوى التكتيكي بتحويل الفريق لشكل «1_4_1_4» في الحالة الدفاعية بفضل تمركز محور الدفاع في المساحة أمام وسط الملعب وإعادة الاستحواذ مرة أخرى للفريق المغربي وإغلاق ممرات التمرير والفوز بالكرات الثانية أثناء دفاع المنطقة في أكثر من موقف بفضل أولاً نظام اللعب وتقريب الخطوط ككتلة واحدة.
المنتخب المغربي استخدم إستراتيجية تغيير الملعب بتجميع اللعب في جبهتين، جهة حكيمي وزياش على الرواق الأيمن وتمثلت بصعود حكيمي كجناح وإرسال الكرات العرضية ومن الجهة اليسرى عن طريق المزراوي وبوفال والتمرير القطري للجهة العكسية لخلق موقف واحد ضد واحد على الأطراف والدخول للعمق لتسديد الكرات باتجاه مرمى المنافسين. خلق المواقف الفردية على الأطراف بوجود حكيم زياش هو من الأساسيات التكتيكية للفريق المغربي.
الصورة في الأسفل توضح كيف يدافع وكذلك يوضح نظام اللعب المنتخب المغربي، كتلة منخفضة وغلق كل الممرات وخاصة العمق دور النصيري هو عزل بوسكيتس على الكرة لمنع اللعب بطريقة المثلثات التي يجيدونها بشكل رائع، ولعب سفيان مرابط دوراً كبيراً في التغطية خلف رباعي الوسط، وهذا الأمر منع اسينسيو من ممارسة استلام الكرة براحة بين الخطوط بإضافة إلى حرمان الإسبان من التفوق وخاصة على الأطراف وأجاد المغاربة في إغلاق المساحات ووضع لاعبي اللاروخا في موقف (اثنان على واحد) في معظم مراحل المباراة.
في هذا المونديال أسود الأطلس ظهروا بإيجابيات عديدة على المستوى الفني والبدني والخططي خاصة، فظهر كل اللاعبين في حالة تركيز عالية جعلت مهمة المنافسين أصعب، وينتظر من الأشقاء في قمة الليلة أن يكونوا كما عودوا جماهيرهم ومناصريهم، وبالتالي لن يكون غريباً أن يكملوا سلسلة مفاجآتهم في المونديال الذي سيصبح وقتها «المونديال المغربي»، مع تمنياتنا بالتوفيق للأشقاء ومع إداركنا صعوبة المهمة لكن كرة القدم علمتنا أنه لاشيء مستحيلاً في عالمها المجنون.