قضايا وآراء

قعقعة السلاح تخفت شمالاً وحراك على طريق دمشق الرياض

| منذر عيد

ما بين السياسة والميدان، تشهد الأحداث في سورية سلسلة من التطورات، إن لم نقل من المتغيرات، الإقليمية حولها، فشمال شرق سورية الذي كان يغلي قبل أيام على نار تصريحات الإدارة التركية بأن التجهيزات للبدء بعملية عسكرية ضد مواقع سيطرة ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» قد اكتملت وأن الأمر متعلق بإعطاء أمر التنفيذ، بدأ يبرد شيئاً فشيئاً، وبدأت جميع الأخبار تتحدث عن تأجيل أو إلغاء تلك العملية، مع تقدم الخيار السياسي، والدفع باتجاه تقارب بين دمشق وأنقرة، لما له من انعكاس على أمن واستقرار المنطقة، كل ذلك ربما يخبو إعلامياً في المستقبل القريب، إذا ما تأكدت التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن لقاء أمني سوري- سعودي، قد يمهد لتقارب سياسي، يغير المشهد برمته، لما للسعودية من دور بارز في مجريات الأحداث في سورية، أو تأثير على الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة بها.

يبدو أن الحراك الروسي النشط على خط دمشق- أنقرة، قد أثمر شيئاً من الإيجابية لجهة، الحديث عن عدول رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان أو تأجيل عمليته العسكرية على منبج وعين العرب وتل رفعت، الأمر أكده المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف أن موسكو «تواصل إقناع الجانب التركي بعدم البدء في العملية البرية في سورية، والاتصالات مستمرة، حيث لم تبدأ العملية البرية، ما يعني أن هناك نجاحات، وسنواصل الاتصالات».

التطور الميداني، تزامن مع استمرار تصريحات الإدارة التركية الساعية للتقرب من دمشق حيث عبّر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن جهوزية بلاده للعمل المشترك مع سورية لمكافحة الإرهاب والعملية السياسية وعودة السوريين، لكنها مساعٍ تركية لا تزال بعيدة عن مقاصدها على مقلب اللقاء السياسي، وخاصة بعد أن حددت دمشق أسباب نجاح مثل هذا اللقاء، وهو تعهد الجانب التركي بالانسحاب من سورية، وضرب التنظيمات الإرهابية.

إن المساعي للتقرب من دمشق لم يقتصر على حزب العدالة والتنمية الحاكم، بل دفع بأحزاب تركية معارضة إلى إعلان نيتها سلوك الطريق نحو دمشق، ليصرح المتحدث باسم «الحزب الجيد» المعارض كورشاد زورلو، بأن الحزب تقدم بشكل رسمي إلى وزارة الخارجية في دمشق بطلب لقاء الرئيس بشار الأسد ومسؤولين في الحكومة السورية، وأنه ينتظر تلقي جواب عن طلبه قبل 15 الشهر الجاري.

من المؤكد أن متغيرات الشمال، شكلت حدثاً لافتاً في الوضع السوري، إلا أن الحدث الأبرز، ما تم سريبه من قبل أوسط إعلامية عن لقاء أمني سوري- سعودي قبل 12 يوماً، واجتماعات على مدار 4 أيام في العاصمة الرياض، حول مكافحة الإرهاب والتنظيمات التكفيرية، ما قد يشكل مقدمة لمسار سياسي، في ضوء العلاقات السورية الخليجية الجيدة بشكل عام.

التقارب الأمني السوري- السعودي، سبقه رفع العلم السوري وسط العاصمة الرياض، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية وحضوره ثلاث قمم متتالية، منها قمة «صينية_عربية» يوم الجمعة الماضي، وكلا الحدثين يشكلات علامات إيجابية على انفراجة مستقبلية ما بين البلدين، وخاصة أن موسكو لعبت سابقاً دوراً كبيراً بهدف ذاك التقارب، إذ انتقل في يوم واحد، في كانون الثاني الماضي، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية الكسندر لافرنتييف، من الرياض حيث التقى ولي العهد محمد بن سلمان، إلى دمشق حيث التقى الرئيس بشار الأسد، في محاولة لإعادة المياه إلى مجاريها بين الدولتين، مع تأكيد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في آذار 2021 عن دعم الرياض لعودة سورية إلى محيطها العربي، وأن الحل لن يكون إلا سياسياً.

الحديث عن العلاقات السورية- السعودية، لا يعني بالضرورة عودتها بتلك السرعة التي يتمناها الجميع، وإنما تعد عملية جديدة لبث الحيوية والروح في شرايين العلاقة بين البلدين، لما ينتجه التقارب بين البلدين من تداعيات إيجابية ليس على الداخل السوري فقط، بل حتى على المحيط الإقليمي، فوقف التدخل التركي وخروج قواته من سورية ليس مطلب سورية فقط، بل هو سعودي أيضاً، كما أن تقارب البلدين سوف ينعكس بشكل أو آخر انفراجاً سياسياً، كما هي العادة، في الداخل اللبناني، وليس بالمستبعد أن ينعكس أيضاً على التقارب السعودي- الإيراني الذي ينشط العراق على تلك الساحة بشكل فاعل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن