صدر عن وزارة الثقافة_ الهيئة العامة للكتاب وضمن المشروع الوطني للترجمة كتاب بعنوان «خمسون مرجعاً في علم النفس»، تأليف توم بتلر_ باودون، ترجمة هدى شاهين، يقع في 591 صفحة من القطع الكبير، ويضم الكتاب مراجعة لخمسين مرجعاً في علم النفس لمفكرين من أهل الاختصاص ويتناول نظريات مختلفة مثل مدرسة فرويد المتخصصة بالتحليل النفسي والدور الأساسي الذي تؤديه في شرح اللاوعي والسلوك الذي يؤثر في العقل البشري، كما يبحث في بعض الأسئلة الأكثر إثارة للاهتمام المتعلقة بما يحفزنا وما الذي يجعلنا نشعر ونتصرف بطرق معينة وكيف تعمل أدمغتنا وكيف نخلق شعوراً بالذات، ويستكشف أيضاً كتابات شخصيات بارزة مثل آدلر ويونغ وسكينر وجيمس وبياجيه وبافلوف، ويسلط الضوء على أعمال مفكرين معاصرين مثل غاردنر وغيلربت وغولمان وسيليغمان.
ثمة تعليقات مخصصة لكل كتاب تكشف عن النقاط الرئيسة وتقدم سياقاً للأفكار والأشخاص والحركات المحيطة به، ولا يركز الكتاب في المقام الأول على الطب النفسي على الرغم من أنه يضم أعمالاً لأطباء نفسيين مثل أوليفر ساكس، وإريك إريكسون ور. د لاين، وفيكتور فرانكل إضافة إلى أعمال لبعض المعالجين المشهورين بمن فيهم كارل روجرز وفريتز بيرلز وميلتون إريكسون. إنه مجال مهم للمعرفة في تاريخ علم النفس بتفرعاته واختصاصاته من شأنه إغناء المكتبة العربية المختلفة بشتى المعارف، ما يتيح فرصة الاستفادة منها.
التأثيرات الاجتماعية
وفي البداية يتحدث الكاتب عن نظريات ألفرد آدلر الذي كان أول رئيس لجمعية التحليل النفسي في فيينا التي أسسها سيغموند فرويد، إلا أن آدلر لم يعد نفسه تلميذاً لفرويد. في حين أن فرويد كان من النمط الارستقراطي المهيب الذي جاء من خلفية عالية التعليم وعاش في حي عصري في فيينا، كان الواضح من مظهر آدلر أنه ابن لتاجر حبوب نشأ على مشارف المدينة، وبينما كان فرويد مشهوراً بمعرفته بالعالم الكلاسيكي ومجموعته من الآثار القديمة عمل آدلر بجد من أجل صحة وتعليم أفضل للطبقة العاملة ومن أجل حقوق المرأة. وهنا يذكر الكاتب أنه وقع انفصال الثنائي الشهير في عام 1911 بعد أن ضاق آدلر ذرعاً من اعتقاد فرويد بأن جميع المشكلات النفسية ناجمة عن مشاعر جنسية مكبوتة، مشيراً إلى أنه قبل ذلك بسنوات قليلة نشر آدلر كتاباً بعنوان «دراسة الدونية العضوية وتعويضها النفسي» الذي جادل بأن تصورات الناس عن أجسادهم وأوجه القصور فيها كانت عاملاً رئيساً في تشكيل أهدافهم في الحياة.
وعن نظرية آدلر في كيفية تشكل الشخصية يقول بتلر: «كان مبدأ آدلر الأساس هو أن نفسيتنا لا تتشكل من العوامل الوراثية بل من التأثيرات الاجتماعية. والشخصية هي التأثير المتبادل الفريد بين قوتين متعارضتين: الحاجة إلى السلطة أو تعظيم الشخصية والحاجة إلى الشعور الاجتماعي والإحساس بالانتماء للمجتمع».
سلوك المرأة
كما يتطرق إلى نظريات لوان بريزيندن التي اهتمت بشكل واضح بالحالة النفسية للنساء وذلك بسبب أنها عندما كانت في كلية الطب اطلعت على الدراسات الشاملة التي أجريت في جميع أنحاء العالم والتي تظهر أن النساء يعانين الاكتئاب بنسبة 2:1 مقارنة بالرجال. ولما ذهبت إلى الكلية في ذروة الحركة النسوية اعتقدت إلى جانب كثيرات أخريات أن هذا كان نتيجة للاضطهاد الأبوي للمرأة لكن تبين لها أن معدلات الاكتئاب بين الأولاد والبنات هي نفسها حتى سن البلوغ. وتساءلت هل يمكن للتغيرات الهرمونية التي تحدث للفتيات في سنوات المراهقة المبكرة أن تجعلهن فجأة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب؟ وهنا يوضح المؤلف أن بريزيندن عملت مع النساء اللواتي يعانين أعراض متلازمة ما قبل الطمث، وفوجئت بمدى تأثر دماغ الأنثى بالتغيرات المثيرة في الكيمياء الهرمونية التي توجه سلوك المرأة وتخلق واقعها. فقامت بدراسة دماغ الفتاة المراهقة فوجدت أنه عند البلوغ يتغير تفكير الفتاة وسلوكها وفقاً لتقلب مستويات هرمونات الإستروجين( أحد هرمونات الشعور بالرضا) والبروجستيرون (فاليوم الدماغ) والكورتيزول (هرمون الإجهاد) وغيرها من الهرمونات المهمة… فكان تأثير هذه المواد الكيميائية هو إعطاء الفتاة حاجة كبيرة ومتعة في الثرثرة والتسوق وتجربة الملابس وتصفيف الشعر أي شيء ينطوي على الاتصال والتواصل.
المدرسة الثالثة
ويتناول الكتاب أيضاً نمط فيكتور فرانكل في العلاج الذي يعد بعد التحليل النفسي لـ فرويد وعلم النفس الفردي لـ آدلر، وهو المدرسة الثالثة في العلاج النفسي في فيينا ويشير كتاب إرادة المعنى بوضوح إلى الاختلافات بين أفكاره وأفكار زملائه. كما يدحض المدرسة السلوكية في علم النفس ومحاولاتها اختزال البشر إلى نواتج معقدة لبيئتهم، حيث اعتقد أن ما أخفق علم النفس في تقديره هو الطبيعة متعددة الأبعاد للبشر دون أن ينكر أن البيولوجيا أو التكييف يشكلاننا لكنه أصر أيضاً على أن هناك مجالاً للإرادة الحرة أن نختار تطوير قيم معينة أو مسار معين في الحياة أو نحافظ على كرامتنا في المواقف الصعبة. وهنا يبين بيتر أن فرانكل نفى أن أشياء مثل الحب والضمير يمكن اختزالها إلى استجابات شرطية أو إلى نتيجة للبرمجة البيولوجية بصفته طبيب أعصاب وافق بالفعل على أن الجوانب الجوهرية للإنسان يمكن مقارنتها بجهاز الكمبيوتر، ومع ذلك كانت وجهة نظره أنه لا يمكننا أن نختزل إلى أعمال مثل هذه الآلة. فقد تكون لدينا مشاكل تتعلق بتوازن المواد الكيميائية في أجسامنا أو مشاكل عقلية مثل رهاب الأماكن الخالية لكن لدينا مجموعة أخرى من الشكاوى التي سماها «العصاب الوجودي» تتعلق بالصراعات الأخلاقية أو الروحية.