قدم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة رؤية متقدمة قائمة على ترك الخلاف السياسي بين الفصائل الفلسطينية والتفرغ لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في الميدان.
وأضاف النخالة خلال برنامج «مساحة استثنائية» الذي بثته قناة الميادين الفضائية عبر صفحتها على «تويتر» في 30 كانون الأول الماضي: «نحن في الجهاد الإسلامي جاهزون لأبعد مدى من دون أي شروط، ومن دون أي سقف للوحدة والتعاون العسكري، وبمعزل عن أي موقف سياسي»، لأن «معركتنا مفتوحة مع العدو، ولم تتوقف ما دام الاحتلال يمارس عدوانه، وهو باقٍ على أرض فلسطين، ونحن كشعب فلسطيني نواجه تحديات وظروفاً سياسية عدة تفرض علينا الوحدة الميدانية».
وأوضح نخالة أنه على المستوى السياسي لم نجد نقطة التقاء؛ بسبب تنافر البرامج والرؤى، مبيناً أن هناك طاقة أمل للتوحد في الميدان، مكملاً: «سنعتبر أنفسنا في الميدان العسكري وحدة واحدة (…) ولا خيار أمام شعبنا إلا القتال، وهذا يفرض الوحدة السياسية ولا حلول سياسية مع المحتل».
وفيما يتعلق بإستراتيجية وحدة الساحات التي تنتهجها الجهاد الإسلامي، شدد نخالة على أن حلقات المقاومة في الساحات كافة مترابطة ومتماسكة ويكمل بعضها بعضاً، مؤكداً أن المواجهة لا تتوقف مع العدو، ومجدداً الدعوة إلى التركيز على فكرة تعزيز المقاومة والوحدة الميدانية في مواجهة هذا العدو، بدلاً من الحديث عن مواقيت زمانية للانهيار الكلي والكبير للكيان الصهيوني.
ولفت الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي إلى أن عام 2022 شهد نشأة كتائب فلسطينية مسلحة في الضفة مثل كتيبة جنين وعرين الأسود، مجدداً التأكيد على أن ما يحصل اليوم في الضفة الغربية هو بمنزلة انتفاضة مسلحة حقيقية.
أصاب نخالة فيما ذهب إليه بهذه الرؤية المتقدمة، وأعتقد أنه جاد في التنفيذ إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ووجد تجاوباً من الفصائل والقوى الفلسطينية الأخرى.
ولكن يبدو أن مرض الانقسام استفحل ولا علاج له إلا بالبتر، ذلك أن العقود الزمنية التي خلت منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، كانت نهاية للوحدة الميدانية وتجسيداً للفشل الذريع، كما أن اتفاقات المصالحة الوطنية أقرب للاستعراضات من العمل الجاد، حسب كل مرحلة كفاحية، الأمر الذي أدى بها إلى الموت، وهذا لم يعد بخاف على أبناء الشعب الفلسطيني إذ
إن السؤال الملح الذي يفرض نفسه هو: لماذا تستغرق محاولات الوحدة الميدانية ومشروع المصالحة الوطنية هذا الوقت الطويل من دون أن يجدا طريقهما للتنفيذ رغم الحاجة الملحة إليهما وتعثر المشروع الوطني الفلسطيني بسببهما؟
إن استعادة الوحدة الميدانية وإنهاء الانقسام يتطلبان ترسيخ المقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة وإنشاء غرفة عمليات واحدة وتوحيد المؤسسات في قطاع غزة والضفة الغربية والاتفاق على برنامج سياسي جامع يؤكد التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني وتجسيد الثوابت الفلسطينية، لأن العدو الصهيوني يسعى بقوة القتل والتدمير والنهب والاستيطان والتشريد والاحتلال، إلى تجريد الشعب الفلسطيني من كل شيء.
وفي الطرح الموضوعي لا بد من التأكيد أن فصائل المقاومة الفلسطينية خاضت جولات ومعارك مشرفة ضد العدو الصهيوني خلال العقود الزمنية الماضية من الصراع الوجودي، وكان لهذا الأمر نتائج ذات بعد إستراتيجي وسياسي، وإحداث تغيير في المعادلات على الأرض وفتح أفق واسع نحو المعركة الكبرى لتحرير فلسطين كل فلسطين، ولكنها أثارت في الوقت ذاته تساؤلات عديدة حول عدم الوحدة الميدانية والسياسية واستمرار تصعيد المقاومة المسلحة واستنزاف الكيان الصهيوني على الصعد كافة، وهنا من الضروري التأكيد على ما يلي:
– إن النموذج العسكري الموحد للمقاومة يمكن أن يثبت حضوره في الصمود بمعارك المواجهة، كما يمكن عده نموذجاً لتحرير الأرض تباعاً في المنظور الإستراتيجي عبر فتح وتوحيد الساحات الأخرى.
– هذا يستدعي امتلاك مزيد من أدوات الضغط على الاحتلال وإجباره على الانكفاء وحصاره واستنزافه على الصعد كافة من أجل استمرار منعه من نقل المعارك إلى أرض غيره، مهما امتلك من الأسلحة الفتاكة، وهذا سيصب حتماً في المعركة الطويلة لتحرير فلسطين.
– يمكن رفد المقاومة المسلحة بالمقاومة السلمية عبر أدواتها المختلفة من العصيان المدني والمقاطعة والاحتجاج والتظاهر بتوحيد الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي إضافة إلى أهمية دور العمل الدبلوماسي إقليمياً وعالمياً.
– يؤكد كل ذلك ما جاء في ورقة بحثية كتبها اللواء احتياط بجيش الاحتلال الصهيوني جيرشون هاكوهين ونشرها مركز «بيجين-السادات» حيث ذكر أن «الجيش الإسرائيلي رغم تفوقه العملياتي سيواجه صعوبة في الدفاع عن إسرائيل في حالة نشوب صراعات متعددة المجالات»، وبين أن «إسرائيل في الحرب الأخيرة تعرضت ولأول مرة للتطويق بالنيران من جميع الجبهات، بما في ذلك الجبهة الداخلية»، وأطلق على ذلك ما سماه «إستراتيجية قاسم سليماني» وانتهى إلى القول: «إن إسرائيل ستواجه خطراً وجودياً».
بناء على ما سلف، فإن اليوم ليس مثل الأمس وإن المستقبل رهن المزيد من إرادة وصمود الشعب الفلسطيني والأمة العربية وتوسيع دائرة خلخلة وعي الصهاينة تجاه التمسك بالأرض؛ ما يعني دفع هؤلاء إلى الرحيل عن أرض فلسطين التي احتلوها عنوة، وعلى المطبعين والمنتظرين في طابور التطبيع والمراهنين على السلام مع الاحتلال، مراجعة حساباتهم قبل فوات الأوان.