أعلن رئيس حكومة كيان العدو بنيامين نتنياهو في خطابه المتلفز المباشر لمؤتمر منظمة «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية ـ ايباك»، وهي اللجنة اليهودية الأميركية لمتابعة السياسات المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة لمصلحة إسرائيل وممارسة الضغوط لتلبية مطالبها، أن «الأوان لإسرائيل والولايات المتحدة وآخرين لشن حرب مشتركة على إيران»، وقد جاءت هذه الدعوة التي أطلقها نتنياهو بعد ثلاثة أسابيع تقريباً على التصريح الذي قال فيه الرئيس الأميركي جو بايدين في 20 كانون الأول الماضي، بأن «اتفاقية خمسة زائد واحد مع إيران في الموضوع النووي أصبحت ميتة»، وهذا ما شجع نتنياهو على المراهنة على بايدن من أجل تزايد العمل المشترك ضد طهران بعد أن نجح في دفع ترامب عام 2018 لإلغاء الموافقة الأميركية على الاتفاقية الدولية مع إيران في الموضوع النووي.
لكن مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جيك سوليفان كان قد أعلن في مؤتمر صحفي أثناء مرافقته للرئيس بايدن في المكسيك في 9 من كانون الثاني الجاري أن «أولوية الإدارة الأميركية ليست محددة الآن للموضوع النووي الإيراني، وفي هذه اللحظة وهذا الظرف ليس من المناسب إعطاؤه أولوية»، وأضاف: «ما زلنا نعتقد أن الدبلوماسية هي الطريق الأفضل لمتابعة هذا الموضوع».
وهذه التصريحات تدل على أن واشنطن تتعامل الآن مع هذا الموضوع بلغة «تجميد أولويته» وليس إلغاء موافقة واشنطن على الاتفاقية، وهو الذي فعله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
يبدو أن إرسال نتنياهو قبل أيام لوزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر إلى واشنطن، هدفها إعداد جدول العمل الإسرائيلي مع الولايات المتحدة قبيل الزيارة المعدة لسوليفان إلى تل أبيب للقاء نتنياهو وربما لإعداد زيارة لنتنياهو إلى واشنطن.
لكن السؤال المطروح الآن على جدول عمل الجانبين هو: هل تتيح التطورات الأميركية – الغربية في الحرب المستمرة بتصاعدها على روسيا في أوكرانيا فتح حرب إقليمية مباشرة أميركية – إسرائيلية ضد إيران، بعد أن تبين أن قدرات إيران العسكرية تزايدت من الناحية النوعية والكمية، ناهيك عن قدرة أطراف محور المقاومة على حدود الكيان الإسرائيلي وفي جبهته الداخلية؟
ربما يعطي السجل التاريخي القريب لنتنياهو وتكثيف حملاته ضد طهران منذ آذار 2009 حين فاز برئاسة الحكومة، إجابة واضحة عن هذا السؤال، لأن نتنياهو طوال 14 عاماً حتى الآن لم ينجح في إقناع واشنطن وخاصة في عهد ترامب، على زج الولايات المتحدة بحرب يحقق بوساطتها أهدافه، وتبين أن تحريضه المكثف لترامب على اغتيال قائد قوات لواء القدس قاسم سليماني، جعل ترامب يشعر بأن نتنياهو خدعه وخاصة حين قال للصحفي الإسرائيلي باراك رافيد في مقابلة استشهدت بها معظم وسائل الإعلام الغربي بأن «إسرائيل تريد أن تقاتل بالجنود الأميركيين» وأن نتنياهو «خيب أمله» ولا ندري ما الذي اتفق عليه الاثنان وأخل نتنياهو به!
ومع ذلك تشكل زيارة وزير الشؤون الإستراتيجية ديرمر لواشنطن قبل يومين أهمية لأنه كان سفيراً لتل أبيب في واشنطن منذ عام 2013 حتى عام 2021 ثم عينه نتنياهو وزيراً للشؤون الإستراتيجية في حكومته الراهنة في نهاية عام 2022 ويعد ديرمر من أقرب الشخصيات التي شاركت باتخاذ قرارات كثيرة مع نتنياهو وهو يعول عليه الآن في كل ما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية – الأميركية، فهو خريج جامعة بينسلفانيا الأميركية ثم من جامعة أوكسفورد البريطانية في العلوم الاقتصادية والفلسفة، وترعرع في قلب السياسة الأميركية معظم فترة حياته السياسية، وعاد إلى إسرائيل عام 1996 ليصبح عضو كنيست، ثم عمل ملحقا اقتصادياً في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ومن هناك بدأ يبني علاقات كثيرة مع مؤسسات الحكم الأميركية إلى أن عينه نتنياهو سفيراً في واشنطن عام 2013، فأصبح يوسي كوهين الذي عينه نتنياهو رئيساً لجهاز التجسس والعمليات الخاصة «الموساد» عام 2016 من المقربين له في إعداد الخطط وتنفيذها لنتنياهو بموجب ما تؤكده تقارير إسرائيلية كثيرة وخاصة في عهد الرئيس الأميركي السابق ترامب، حين دفع هؤلاء الثلاثة ترامب لإلغاء الموافقة الأميركية على اتفاقية «خمسة زائد واحد» في الموضوع النووي مع إيران، ومن دون تنسيق مع رئيس الأركان الإسرائيلي غادي آيزنكوت في ذلك الوقت، ومن دون علم مسبق منه بموجب ما ذكره في مقابلة مع المجلة الإلكترونية «ميديل ايست آي».
في النهاية لن تكون تهديدات نتنياهو ضد طهران إلا فقاعات على غرار ما ثبت خلال 12 عاماً كان فيها رئيساً للحكومة، فمن دون واشنطن ودورها ومشاركتها وموافقتها سيظل الدور الإسرائيلي على واقعه الراهن.