نزار بريك هنيدي يقول: «هكذا تكلم جبران»! … الموسيقا عند جبران هي أسمى حالات الفن المجرد وأكثر التصاقاً بالإبداع الإنساني والروحاني
| سارة سلامة
صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب كتاب جديد بعنوان «هكذا تكلّم جبران» يقع في 349 صفحة من القطع الكبير، تأليف الدكتور نزار بريك هنيدي، الذي بين من خلال بحثه أن أعمال جبران خليل جبران استطاعت أن تصمد في وجه الزمن، وتنجح في امتحانه فبعد مرور أكثر من تسعين عاماً على وفاة مبدعها، ما زالت تتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، كما أنها لم تتجاوز حدود الزمن فحسب، بل تجاوزت حدود المكان أيضاً، فهي اليوم مقروءة في جميع بقاع الأرض، بعد أن تُرجمت إلى معظم لغات العالم. واعتماداً على هذا المعيار الذي قلما يخطئ، فإن المهمة الملقاة اليوم على عاتق النقّاد والباحثين الذين يدرسون أعمال جبران، تتخطى مسألة إطلاق حكم القيمة عليها، إلى ما هو أهم من ذلك بكثير، وهو محاولة سبر أغوار الأدب الجبراني للوقوف على الخصائص الأصيلة التي يتميز بها، واستقراء العوامل التي جعلته قادراً على ملامسة الجوانب الأكثر أصالة وعمقاً وشفافية في الجوهر الإنساني.
حكم القيمة
ويكشف هنيدي في كتابه هذا ميزات الأدب الحقيقي وما المعايير التي تتيح لنا الحكم على أدب ما بأنه رفيع وعظيم. وإذا ما كان تذوق النص الأدبي مرهوناً بالذائقة الشخصية، التي تختلف من متلق إلى آخر، كما تتنوع وتتطور وتتغير من بلد إلى بلد، ومن عصر إلى عصر، فكيف يتاح لنا أن نطلق حكم القيمة الموضوعي، من دون أن يكون هذا الحكم مشوباً بالكثير مما تمليه الأهواء الذاتية أو تفرضه النزاعات الفردية؟
ويتابع هنيدي أن المدارس الأدبية المختلفة قد وضعت عدداً من المعايير المتباينة للحكم على العمل الأدبي، إلا أن هذه المعايير لم تكتسب صفة الشمولية أو الثبات بل بقيت نسبية، إذا قبلت بها طائفة من النقاد أو المتلقين، رفضتها أخرى، وإذا انطبقت على نص ما فإنها لا تنطبق على نصوص أخرى، لا يستثنى من ذلك سوى معيار واحد، يكاد يفرض على الجميع، وما هذا المعيار سوى نجاح العمل الأدبي في امتحان الزمن.
نابعة من طبيعته
وعن كتاب جبران «الموسيقى» الذي أصدره عام 1905 بين هنيدي أنه إذا ما عاودنا قراءة الكتاب قراءة استرجاعية بمعنى أن نقرأه على خلفية إدراكنا لأبعاد تجربة جبران، بعد أن تكاملت في مؤلفاته جميعها، فيمكن لنا أن نقف على مجموعة من السمات والمعالم والأفكار التي شكلت بذوراً أولى لعناصر منجزه الإبداعي. وعلى هذا الأساس يتبادر إلى الذهن السؤال التالي لماذا بدأ جبران حياته الأدبية بالكتابة عن الموسيقى؟
ويمكن لنا الاجتهاد في الإجابة بأن الموسيقى تمثل أسمى حالات الفن المجرد الذي رآه جبران أقرب إلى نفسه، وأكثر التصاقاً بمفهوم الإبداع، كما رأى أن معاصريه قلما يعيرونه الاهتمام الكافي، فهم إذا ما سمعوا قصيدة انصرفوا إلى معانيها المباشرة، وحكموا على صاحبها بمقدار ما نجح في تقليد شعر الماضي لا بمقدار ما أبدع وأضاف وجدد، ولذلك استخدم جبران «الموسيقى» ليقول رأيه في الفنون جميعاً وليؤكد أن ضرورة الفن للإنسان نابعة من طبيعته الخاصة كفن، وليس مما يتم تحميله عليه، من شعارات وأقوال.
مواكب جبران
وبين هنيدي أن جبران كتب عدداً قليلاً من القصائد القصيرة التي التزم في بنائها نظام بحور الشعر العربي التقليدية، إلا أن هذه القصائد بقيت متفرقة حتى جمعها الناشر «صاحب مكتبة العرب» في مصر بين ما جمعه من كتابات جبران، في الكتاب الذي أصدره بعنوان البدائع والطرائف والذي يقال: إن جبران لم يكن له رأي في صورة، لذلك يمكن أن نعد قصيدة المواكب، القصيدة الطويلة الوحيدة التي نظمها جبران وفق الشكل التقليدي، من حيث التزامه بالوزن والقافية، وقد نشرها في كتاب مستقل عام 1919م، ويتضح اهتمام جبران الخاص بها من خلال إصداره لها على نفقته الخاصة، في طبعة أنيقة مزينة بمجموعة من الرسوم المعبرة.
ونزار بريك هنيدي هو شاعر وناقد سوري، وطبيب اختصاصي بالجراحة العامة، تولد ريف دمشق عام 1958 – صدرت له مجموعته الشعرية الأولى عام 1977 في نهاية المرحلة الثانوية، وبعدها توالت مجموعاته في الصدور، وبلغت حتى الآن ثماني مجموعات شعرية إضافة إلى كتبه في النقد الأدبي النظري والتطبيقي.