الثالثة من فجر اليوم الأول من هذا العام (يوم عطلة)، استيقظت متألماً من ضيق في التنفس وعلامات إغماء تبعهما تعرق مبهم ووهن. هل نطلب الإسعاف…؟ ياريت وعلى الرقم 133 الهلال الأحمر العربي السوري.
لم يمض عشر دقائق حتى كانوا في بيتنا: ثلاثة شبان وصبية، وكأنهم في سباق مع الزمن: قاسوا الضغط ونبض القلب والأكسجة، فتحوا في إحدى يدي مصرفاً لتسريب الدواء وأنشؤوا سيرة مرضية موجزة ستساعد أطباء وممرضي الإسعاف، حملوني إلى طاولتهم الصفراء الطويلة الضيقة، رفضوا أن أقف لمساعدتهم استعانوا بأحد الجيران ليعاونهم على حملي ونزلوا بي طابقين إلى سيارتهم. هرعوا إلى أقرب إسعاف حكومي. لم ينتظروا كلمة شكراً، توجهوا لتلبية نداء آخر.
بعد ثلاثة أيام وكنت غادرت العناية المشددة في الصباح، رجعت حالة الإغماء ذاتها في مساء اليوم ذاته. وعرفنا بمن نستعين ألو 133، إنهم فريق آخر ولكن بالحماية ذاتها والإقبال ذاته، وفوراً إلى قسم الإسعاف الحكومي. كانوا يحاولون الإبقاء علي صاحياً، سألني أحدهم عن لون ثوبه فقلت أحمر.
تذكرت في حين كان السائق يناشد السيارات أن تجتاز الإشارة الحمراء، أهمية الوصول بسرعة إلى قسم الإسعاف، فلقد تصادف وجودي في المشفى الحكومي أكثر من مرة مع وصول سيارات الإسعاف تحمل جرحى الحرب وقذائف الغدر على دمشق، وكنت أسأل أطباء الإسعاف ما حظوظ هؤلاء من الحياة؟ وكان الجواب دائماً: إن الذي يصل إلى إسعافنا بقلب نابض يتعافى.
جرى تخريجي من الإسعاف بسرعة، في المرة الثانية، على أمل أن أركّب جهاز هولتر لدراسة نبضات القلب خلال 24ساعة وكان أقرب موعد لتركيب الجهاز بعد أربعة أيام. لكن قلبي لم يمهلني أربعة أيام، في مساء اليوم الثاني تدهور وضعي الصحي فجأة وعصف بي الإغماء مرة كل ربع ساعة، واستعنت للمرة الثالثة بإسعاف الهلال الأحمر العربي السوري على الرقم 133، ومثل أول مرة جاء فريق آخر مسعف، حيوي ومحب ومتحمس ونقلني إلى الإسعاف وهناك، قال الطبيب:إما البطارية أو الموت. انخفضت نبضات القلب إلى 12نبضة في الدقيقة ولم يستجب للدواء. هو من هتف لإسعاف الهلال الأحمر وكلف زميلاً له بمرافقتي إلى مشفى أركّب فيه البطارية، وعلى الطريق قال الطبيب لزوجتي أتمنى أن يصل حياً.
سمعتهم يقولون لي تمسك جيداً كانت سيارة الإسعاف تنطلق بأقصى سرعة، غير عابئة بالحفر الكثيرة والمطبات، وكنت أتأرجح على الرغم من أنني مربوط بحزم إلى الطاولة فكم هي جبارة سياراتهم.
لقد شهدت استلامهم لدفعة كبيرة منها عن طريق منظمة الصحة العالمية، إذ غالباً ما كان صديقي الأستاذ يحيى بوظو، مسؤول التواصل مع المنظمات الدولية في مكتب سورية للصحة العالمية –آنذاك- أيام المديرة المميزة اليزبيت هوف، يدعوني لتوثيق مثل هذه الأحداث المهمة إعلامياً.
وصلت حياً ولم يكن الوقت يسمح أن أقول لهم شكراً وفي غرفة العمليات استرجعت ذكرياتي عنهم، إنهم منظمة سورية تطوعية عريقة أسست في العام 1942، لعبوا دوراً مذهلاً إبان الحرب على سورية واستشهد الكثير منهم، يعملون بنزاهة مطلقة ويرفضون أي شكل من أشكال التكريم ولو كان سكرة ويرددون: نحن متطوعون.
فليكونوا نبراساً ومثالاً يحتذى به ومؤسسة تطوعية قدوة نحتاج إليها في كثير من مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تحسن الشراكة مع جهات مانحة.
بهذا التطوع الجاد والحماسي والمنتمي للإنسان والوطن، يمكننا قهر المستحيل وإنجاز بنى واحتياجات كثيرة تبدو اليوم مستحيلة. لم أشأ أن أقول لهم شكراً عبر هذا المنبر الكريم المرموق أو أن أعرب عن سعادتي بوجود مثل هذه الخدمة الفائقة في سورية الآن، بل تقديمهم كمثال يحتذى. إنهم الملائكة الحمر.