ثقافة وفن

ظواهر نقدية شعرية في التراث النقدي … شعر أصحاب الواحدات في شعرنا العربي إحصاء وتقويم

| إسماعيل مروة

تدرج في كتب النقد العربي القديم والحديث تعابير كثيرة تعدّ مفاتيح النقد والتقويم مثل المعلقات، المنصفات، الحماسيات وغيرها من الألقاب التي درجت، وهي في الأصل حكم نقدي صدر عن النقاد الأوائل، وفي بعض الأحيان نسمع تعابير مثل القصيدة اليتيمة أو الواحدة مثل قصيدة دوقلة المنبجي أو قصيدة ابن زريق البغدادي، وقد يفهم كثير من الدارسين والمتأدبين أن شعراء الواحدة قلة، أو أن شاعر الواحدة أو اليتيمة لم يقل سواها شعراً.

أصحاب الواحدات

تحدث النقاد القدامى عن شعراء الواحدات، وبقي كلامهم منثوراً في بطون الكتب، وقد عمل عدد من الدارسين المحدثين على استخلاص هذه الآراء النقدية، وأحدث هذه الدراسات كانت دراسة للدكتورة حمدة الحمادي، التي قدمت فيها دراسة جادة ما بين الكتب القديمة والكتب الحديثة التي تحدثت عن شعراء الواحدات وقصائد الواحدات، وكان لابد من الوقوف عند المفهوم والمصطلح لتتضح الصورة أمام المتأدب، فالأمر ليس محصوراً في عدد من الشعراء، بل الحكم حكم نقدي جرى عليه النقاد الأوائل في الأدب العربي ، وتابعهم النقاد التالون، وفصل فيه النقاد المحدثون حتى غدا حكماً فنياً وحكماً على التجربة الشعرية والشعورية للشاعر، وللحقيقة فإن عدداً من القضايا المثارة حول الواحدات وشعرائها في دقيتها كانت إضافة إلى المخزون ولم أكن أجنح إلى التفصيل الذي وجدته في الدراسة والدراسات المماثلة.

الواحدات واليتيمة والمشهورة

تتحدث د.الحمادي عن المصطلح بتفصيل معجمي وتتبع للدراسات الحديثة التي تناولته لتقول: «فضل السبق كان لثلاثة من أئمة اللغة والأدب، هم: عيسى بن عمر، وأبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة، أما الأصمعي فهو العلامة البارزة نحو بداية التأصيل والتأسيس للمصطلح». ولابد من الوصول إلى النتائج النهائية التي استخلصتها الباحثة وهي تشترك فيها مع الباحثين الحديثين الذين أشارت إليهم واستعانت بدراساتهم واستهدت بقراءاتهم مثل المحشرف والكنعاني ومظلوم ومطلوب وغيرهم «صاحب الواحدة قد يكون من أصحاب الدواوين، وقد لا يكون، وبذلك فإن قصيدته قد تكون مشهورة، وقد تكون يتيمة، ولكن لابد أن تطير شهرتها على ألسنة الناس، لخصائص فنية ميزتها عن غيرها».

فالواحدة أو اليتيمة ليست قصيدة يتيمة لشاعرها، وليست القصيدة الوحيدة له، بل إن التعبير نقدي بحت ويفهم منه من خلال استقراض الدراسات النقدية القديمة والحديثة:

– هي أعلى قصائد الشاعر وإن عرف له شعر آخر مثل طرفة بن العبد وعنترة بن شداد وعمرو بن كلثوم.

– قد تكون القصيدة الوحيدة التي وصلت من شعر الشاعر مثل قصيدة دوقلة المنبجي وابن زريق البغدادي، واليتيمة تدل على شاعريته.

– قد تكون متفردة في تجربتها الحياتية والشعورية مثل قصيدة السموأل بن عادياء، وعليها كلام كثير.

– قد تكون يتيمة في عرضها وطرائق عرضها، كما في قصيدة أبي البقاء الرندي وغيره من أصحاب رثاء المدن، وتحت هذا البند تنزل قصيدة الأبيوردي عن القدس.

النقد ودوره

إن بعض دارسي الأدب واللغة لو عرضت معهم مفهوم الواحدة، فإنهم لن يضعوا طرفة بن العبد وعمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد وغيرهم من مشاهير الشعراء العرب ضمن شعراء الواحدة، فلطرفة ديوان وشعر كثير، وكذلك الأمر مع عنترة وعمرو بن كلثوم وسواهما، فحكم الواحدة حكم نقدي غاية في القيمة عند النقاد العرب القدامى، لذلك وصل إلى الحماسيات والاختيارات والمفضليات، وقد يصل إلى عصرنا الحالي مروراً بالعصور المتأخرة السابقة..

ولو استعرضنا أسماء شعراء مختلفين ممن تناولهم مصطلح أصحاب الواحدات عرفنا أن المقصود هنا الجانب النقدي، وليس المقصود القصيدة الواحدة لشاعر لم يقل غيرها أو ضاع أكثر شعره.

طرفة بن العبد، الحارث بن حلزة، عمرو بن كلثوم وعنترة، الأفوه، الأسود بن يعفر، عمرو بن معدي كرب، علقمة بن عبدة، سويد بن أبي كاهل، الشنفرى، تأبط شراً، السموأل، ديك الجن الحمصي، أبو البقاء الرندي، المثقب العبدي، المنخل اليشكري، سحيم، أبو صخر الهذلي، ابن سناء الملك، وغيرهم كثير، وهم من أصحاب الدواوين.

وتخلص الباحثة إلى أن الواحدة قد تكون:

– القصيدة الأكثر شهرة للشاعر، وإن كان من أصحاب الدواوين، وهي سبب وصول اسمه إلى الأجيال اللاحقة.

– القصيدة المتفوقة فنياً.

– القصيدة المتفوقة موضوعاً.

– القصيدة اليتيمة في بابها: رثاء- مدح – غزل- بكاء مدن.

مجمل القول إن الباحثة الكاتبة حمدة الحمادي جمعت وبأمانة كل ما يتعلق في التراث النقدي القديم والحديث بشعر أصحاب الواحدة، وكانت علمية في استقاء معلوماتها وأحكامها حتى من الباحثين المحدثين الذين قدمتهم باحترامهم اللائق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن