اقتصاد

هل تغيرت أشكال السوريين بسبب الحالة الاقتصادية؟ … «الزراعة» لـ«الوطن»: لا ننكر وجود تراجع فعلي بالأمن الغذائي لدى السوريين لكن لا يمكن اعتبار تقارير المنظمات مرجعيات ذات أرقام مسندة

| جلنار العلي

شكّلت سلسلة ارتفاعات الأسعار المتكررة وخاصة للمواد الغذائية أزمة حقيقية للمواطنين تتعلق بكيفية تأمين ما يسد حاجتهم من الغذاء، فلم تعد الأسرة السورية قادرة على مواجهة هذه الارتفاعات في ظل انخفاض الأجور والفجوة الكبيرة بين حجم الدخل وحجم الإنفاق، وإلى الآن لا توجد أرقام أو بيانات واضحة من المكتب المركزي للإحصاء حول نسبة الأمن الغذائي في سورية، علماً بأن المكتب كان يجري خلال النصف الثاني من العام الماضي مسحاً إلكترونياً للأمن الغذائي للمواطن بعد الحرب، ولم يتم الانتهاء من نتائج المسح حتى الآن حسبما علمت «الوطن» من مصادر في المكتب.

«الوطن» عرضت بعض التقارير الأممية التي تقول: إن «سورية تحتل المرتبة السادسة على مستوى العالم من حيث أكبر عدد من الأشخاص الذين يعانون الأمن الغذائي، والذين يبلغ عددهم قرابة 12.4 مليون سوري»، على معاون وزير الزراعة والإصلاح الزراعي لشؤون الثروة النباتية والسياسات الزراعية فايز مقداد الذي أوضح أنه لا يمكن اعتبار هذه التقارير مرجعيات ذات أرقام مسندة أو يمكن الاعتماد عليها، لأن المنظمات الدولية العاملة في سورية تجري دراساتها وأبحاثها ضمن مشاريع معينة وتنشر نتائجها من دون الرجوع إلى الجهات الحكومية المختصة لتعطي رأيها بهذه النتائج والتقارير.

وأشار مقداد إلى وجود تراجع فعلي بالأمن الغذائي وذلك نتيجة الارتفاعات المتتالية والمتلاحقة لتكاليف الإنتاج الزراعي بسبب التغيرات في سعر الصرف من جهة والمخاطرة في عملية المتاجرة من المصدرين والمزارعين من جهة أخرى وخاصة ما يتعلق بالتعامل مع منصة تمويل المستوردات وتأمين القطع الأجنبي اللازم لعمليات الاستيراد، حيث إن كل هذه العوامل تؤدي إلى تضاعف تكاليف الإنتاج ما يجعل أسعار المنتجات الزراعية في السوق أكبر من قدرة المواطنين على الحصول عليها في ظل تراجع مستويات الدخل، معتبراً أن هذا الجانب هو أحد محاور الأمن الغذائي، أما المحور الثاني فيتعلق بعنصر الإتاحة، منوهاً بأن سورية تحقق الاكتفاء الذاتي في معظم المنتجات الزراعية الموجودة في السوق، ولكن يوجد بعض النقص في المنتجات التي تراجع إنتاجها بسبب الأزمة والحرب التي مرت على سورية بعد أن كانت تحقق 100 بالمئة من حاجة السوق المحلية إليها، لذا فإن الحكومة تقوم بتغطية هذا النقص من خلال الاستيراد، كمحاصيل القمح والشعير وبعض الأعلاف كالذرة الصفراء التي تحتاج إلى موارد مائية كبيرة خلال فصل الصيف، لافتاً إلى أن الخطة الزراعية توضع في كل عام بناء على الموازنة المائية الصادرة من وزارة الموارد المائية وبالتالي يمكن تخصيص مساحات محدودة لزراعة الذرة الصفراء خلال فصل الصيف.

وأضاف مقداد: إن العنصر الثالث هو استقرار الإتاحة، حيث يكون هناك استمرارية بالقدرة على إمداد السوق المحلية باحتياجاتها، أما العنصر الرابع فهو الحالة الصحية العامة في الدولة التي تجعل المواطنين قادرين على الاستفادة من هذا الغذاء.

ومن جهة أخرى، أشار مقداد إلى أن رغيف الخبز كان دائماً موجوداً بالأفران الحكومية والخاصة، على الرغم من وجود معاناة في محصول القمح منذ بداية الأزمة، ولكن هذا يعود إلى الجهود الحكومية المبذولة للاستعاضة عن النقص الحاصل بالإنتاج المحلي عن طريق الاستيراد وتحديد أولويات له كي لا يشعر المواطن بوجود أي نقص في هذه المادة.

وبين مقداد أن الوزارة تضع الخطة الزراعية بشكل مبكر قبل بدء الموسم الزراعي بنحو الشهرين، وذلك لإتاحة الفرصة لجميع الجهات الشريكة أن توفر المواد الداخلة بعملية الإنتاج بالكميات والمواعيد المناسبة، موضحاً أن الخطة توضع بناء على استعمالات الأراضي الموجودة، إضافة إلى احتياجات القطر من المنتجات الزراعية واحتياجات العملية الصناعية من المحاصيل الصناعية كالقطن والشوندر السكري والتبغ، كما تضع وزارة الزراعة روزنامة زراعية تتضمن شقين، الشق الأول يتعلق بمستلزمات الإنتاج الزراعية وحاجة كل منطقة من المحروقات والأسمدة ومواعيد الحاجة لهذه المواد بحيث تستطيع الجهات المختصة الأخرى كوزارة النفط والثروة المعدنية ووزارة الصناعة والاقتصاد والتجارة الخارجية والمصرف الزراعي القيام بكل التجهيزات اللازمة، ولكن تحدث بعض الصعوبات المتعلقة بتوفير المحروقات والأسمدة التي تعيق تحقيق الأرقام المتوقعة.

وأكمل: «أما الشق الثاني من الروزنامة الزراعية، فيتعلق بمواعيد إنتاج المنتجات الزراعية الصيفية والشتوية على مختلف أشكالها، وهنا تتمكن الحكومة من الاستعداد للفترات التي يحصل بها نقص في المنتجات الزراعية كالبطاطا مثلاً التي يرتفع سعرها في بعض الأشهر التي لا تُنتَج فيها، إضافة إلى الفترات التي يصير فيها فائضاً في بعض المنتجات، وهذا ما يساعد الحكومة على اتخاذ قرارات الاستيراد والتصدير».

وحول تأثير ارتفاعات الأسعار وعدم القدرة على شراء ما يحتاجه المواطنون من غذاء، بيّن المدير الأسبق للمكتب المركزي للإحصاء الدكتور شفيق عربش في تصريح لـ«الوطن» أنه لا يوجد أرقام دقيقة ولكن من الواضح من خلال ارتفاع الأسعار وضعف الحركة الشرائية بالأسواق أن هناك ازدياداً في نسبة الأشخاص الذين يعانون انعداماً شديداً في الأمن الغذائي، كاشفاً عن تسريبات لنتائج إحصائيات أجريت تبيّن أن معدل التضخم لعام 2022 تجاوز الـ150 بالمئة في ظل عدم وجود أي تحسّن في المداخيل وخاصة للعاملين بأجر شهري، معتبراً أن هذا الأمر له انعكاسات كبيرة جداً.

واعتبر عربش أن لا يمكن التحدث عن هذا الملف من خلال كمية الحريرات التي يحتاجها المواطن كما فعلت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سابقاً، لأن الحريرات يمكن تأمينها من خلال مأكولات لا تؤمن للجسم أدنى الاحتياجات من البروتينات والمعادن والفيتامينات اللازمة وبالتالي لا يمكن تحقيق أمن غذائي يحافظ على مناعة الجسم ضد الأمراض.

وفي السياق، بيّن عربش أن نقص الأمن الغذائي للمواطنين لا يرتبط بأسباب خارجية فقط، وإنما يعود إلى أسباب داخلية لا يمكن نكرانها، فلو كانت الأسباب الخارجية هي المسبب الأساسي لكان المواطنون حرموا من مواد وسلع كثيرة في الأسواق، ولكن كل المواد موجودة ولكن بأسواق وأماكن خارج نطاق التدخل الحكومي وبأسعار غير مضبوطة، وهذا يعني أن الإجراءات الحكومية قاصرة عن إدارة النقص كما يجب أن يدار، فمن يمتلك المال يمكنه تأمين كل المواد الغذائية، وهذا يعني أن الحكومة لا يمكنها التذرع بالحصار الاقتصادي المفروض على سورية.

ومن جهة أخرى، لفت عربش إلى أن انخفاض كتلة الدعم الاجتماعي بمقدار 600 مليار ليرة عن موازنة العام الماضي يشير إلى نسبة الأسر التي خرجت من مظلة الدعم بموجب الإجراءات الحكومية في العام الماضي، أي إن كل الأرقام التي تسوقها الحكومة عن موازناتها واعتماداتها هي أرقام خلبية، معتبراً أن غياب قاعدة البيانات جعل الحكومة عاجزة عن إيصال الدعم إلى مستحقيه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن