روسيا تفرض خطوطها الحمراء في المنطقة
| تحسين الحلبي
يبدي (ألاستيركروك) الدبلوماسي البريطاني الذي عمل في منصب رفيع المستوى في المخابرات البريطانية قبل انتقاله للعمل الدبلوماسي في أوروبا وجهة نظر جديرة بالاهتمام حين يقول في موقعه (كوفليكتس فورم) إن: «واشنطن أصبحت غارقة بحالة تشدد تجاه روسيا بهدف معاقبة بوتين على دوره في التحالف مع سورية وفيما فعله في أوكرانيا» وهذا ما يدل على أن واشنطن تتجاهل مكانة روسيا ومصالحها وخطوطها الحمراء بل خطر انجراف واشنطن نحو حرب نووية مع روسيا.
وإلى جانب (كروك) بدأ عدد من مراكز الأبحاث السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة وأوروبا يحذر من تزايد التصعيد والاستفزاز الذي تقوم به واشنطن علناً ضد روسيا وحلفائها وخصوصاً حين تؤكد هذه المراكز أن (الحرب الباردة) التي تريد فرضها واشنطن في علاقاتها مع روسيا- ستحمل أخطاراً تزيد عما حملته الحرب الباردة السابقة التي دامت أربعين سنة لأنها حرب باردة وصلت إلى حدود روسيا في أزمة أوكرانيا هذه المرة وليس إلى حدود (برلين) البعيدة عن روسيا في عهد الاتحاد السوفييتي.
وهذا ما يؤكده (كروك) حين يقول إن واشنطن تعرف أن ما تفعله في أوكرانيا يولد «بؤرة الزلزال» القريبة جداً والملاصقة لحدود روسيا وما تزال أوكرانيا بنظر (كروك) القنبلة الموقوتة التي تسعى من خلالها واشنطن إلى خلق «حرب أهلية بين السلافيين» من كلا الجانبين الأوكراني والروسي، وبالمقابل يرى (ستيفين كوهين) المختص بالدراسات حول روسيا أن «رفض واشنطن الاعتراف بوجود عالم جديد متعدد الأقطاب هو المشكلة وليس جزءاً من الحل وأن أحد أهم الأسباب التي تولد خطر التصادم المباشر بين موسكو وواشنطن يكمن في حقيقة أن النظام العالمي بين الجانبين يفتقر لوجود (خط أحمر) يسمح بتجاوز الصدام المباشر» ففي عهد الحرب الباردة السابق اتفق قادة موسكو وواشنطن على إقامة اتصال يحمل صفة (الخط الأحمر) بين الرئيسين بعد أزمة «صواريخ كوبا» عام 1962 وكان هذا الخط مفيداً لمنع التصعيد بين الجانبين ويبدو أن واشنطن لا تريد الاعتراف بوجود خطوط حمراء لروسيا ولذلك تقوم إدارة أوباما بخلق أزمة أوكرانيا وتعمل على تسخير أنقرة ضد روسيا على حدود سورية.. لكن هذه السياسة الأميركية لن يكتب لها النجاح في المستقبل المنظور ولا في المستقبل البعيد المدى لأن روسيا بموجب ما يؤكده البروفيسور (تشيرنوس) في المقال نفسه حين يقول إن روسيا نجحت في تقليص مكانة القيادة الأميركية في العالم حين تمكنت موسكو من تعزيز حماية تحالفها مع سورية وفرضت قواعد صدام لم تحسب لها حسابات مع روسيا في منطقة الشرق الأوسط في ظل تمتين صلاتها مع إيران وفتح بوابات مع العراق ومصر ودول أخرى في المنطقة.
ومن الملاحظ أن تزايد قدرة المبادرة الروسية العسكرية في كلتا الأزمتين أوكرانيا وسورية واتساع النشاط العسكري في البحر الأبيض المتوسط بمشاركة صينية مباشرة بدأ يفرض على واشنطن قواعد نظام جديدة لم تستطع منع تأثيرها في أقرب المناطق على أوروبا وسواحلها ولذلك لم يستطع وزير الدفاع الأميركي (آشتون كارتر) في آخر لقاءاته مع لجنة الشؤون العسكرية في مجلس النواب الأميركي تجاهل هذه الحقيقة حين فضل اختصار رده على أسئلة اللجنة بالقول: «نحن لا نستطيع الموافقة على ما تقوم به موسكو حين تستهدف مجموعات المعارضة بقصفها ونعتقد أن هذا العمل سيفشل». فهذه العبارة تحمل رداً شبه دبلوماسي لأن (كارتر) تجنب الإشارة إلى ما يمكن أن تفعله واشنطن تجاه هذا الدور الروسي ضد الإرهاب في سورية.
وحين طرح أعضاء اللجنة الأميركية أسئلة حول ما ستفعله وزارته تجاه التحركات العسكرية الصينية في آسيا اختار (كارتر) تجنب التصعيد والتهديد وقال: «إن هذه المنطقة (الآسيوية والصينية) ستكون أهم منطقة لمستقبل أمتنا لأن نصف البشرية تعيش فيها وهذا يعني أنها تشكل 50% من النشاط الاقتصادي العالمي ومن المهم المحافظة على السلام والاستقرار فيها».
وربما يمكن الافتراض بأن عدم وجود اعتراف متبادل بين واشنطن وموسكو بخطوط حمراء حتى الآن لا يعني أن هذه الخطوط غير موجودة ضمناً في الحسابات الأميركية فقد فرضت موسكو على واشنطن اللجوء إلى استخدام درجة رد فعل متدنية تجاه الدعم العسكري الروسي للقوى المناهضة للهيمنة الأميركية في أوكرانيا وفرضت قواعد روسية في العمل العسكري ضد الإرهاب في سورية وقرب أهم حلفاء واشنطن في المنطقة من إسرائيل إلى الأردن إلى تركيا وهكذا تولدت الخطوط الحمراء الروسية في المنطقة.