قضايا وآراء

خلط الأوراق الانتخابية في تركيا

| محمد نادر العمري

بشكل غير مفاجئ وعلى صعيد متوقع، بدأ العديد في أركان حزب العدالة والتنمية في تركيا منذ بداية العام الحالي الإعلان عن توجه النظام السياسي في تركيا لإجراء الانتخابات العامة قبل موعدها الاعتيادي في منتصف حزيران المقبل بذريعة عدم انخفاض المشاركة الشعبية، كون الانتخابات المزمع عقدها تترافق مع مناسبات عدة أبرزها العطلة الصيفية والأعياد والامتحانات الجامعية، وهو ما قد يؤدي وفق ادعاء هؤلاء إلى ضعف هذه المشاركة نتيجة انشغال الأتراك بالمناسبات واهتمامهم بها.

إذ سارع كل من نائب رئيس النظام التركي إركان كاندمير والمتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية عمر جيليك، للإعلان عن ذلك بشكل متلاحق، ورجحا أن يكون موعد الانتخابات بعد عيد الفطر مباشرة، أي بين نهاية نيسان ومنتصف أيار المقبل، وهي خطوة هدفها بشكل رئيسي تحقيق منفعة سياسية تتمثل بالضغط على المعارضة التركية ووضعها في خانة ضيق الوقت لترتيب استعداداها لهذه الانتخابات وجعلها في موقف يعتريه الكثير من الإرباك والتسرع.

فتضييق المساحة الزمنية على المعارضة التركية خاصة من يعرف بالمعارضة «الطاولة السداسية» التي حتى اللحظة لم تتفق على مرشح موحد لها لمنافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغم اجتماعها الأخير الذي استغرق 10 ساعات، بل بدأت تظهر بعض حالات التنافس والخلافات والمشاكسات بداخلها، بما قد يسهم في إذكاء الخلافات بين مكوناتها، ما يقلل فرص المعارضة من الفوز بالانتخابات ويزيد من فرص أردوغان وحزبه في تعويض خسارتهم البرلمانية منذ سنوات.

إن حزب العدالة والتنمية يسعى لإجراء الانتخابات في أفضل أوضاع اقتصادية ممكنة لضمان أفضل الانعكاسات على المواطنين وقطف ثمارها، إذ إن تقريب الموعد يقرب المواطن من الدعم الحكومي المالي المقدم مثل رفع الحد الأدنى للأجور ورفع رواتب الموظفين الذي سيبدأ مع نهاية الشهر الجاري، وكلما تأخر موعد الانتخابات كلما قلت فائدة وأثر هذه القرارات.

فضلاً عن ذلك هناك خلاف بين المعارضة وأنصار الحكومة التركية فيما يتعلق بإعادة ترشح أردوغان للرئاسة مجدداً، إذ إن المعارضة ترفض خوضه للانتخابات بعد انتهاء ولايته الحالية، على حين أن داعميه يعتبرون أن أردوغان له الحق في الترشح بعد تعديل الدستور الذي دخل حيز التنفيذ عام 2017، كونه خاض انتخابات واحدة بعد هذا التغيير، وتلافياً لأي إشكالات قانونية يسعون لإجراء انتخابات مبكرة، حيث أنه وفقاً للمادة 116 من الدستور التركي، فإنه إذا قرر البرلمان بأغلبية 3 أخماسه الدعوة لانتخابات مبكرة فإن هذا يعني عدم احتساب الولاية الجارية للرئيس، ويمكن أن يترشح لولاية أخرى إذا كانت ولايته هذه هي الثانية.

وهناك العديد من التطورات التي يسعى لتوظيفها كل من أردوغان وحزبه للفوز في الانتخابات المقبلة وتدفعهما نحو إجراء هذه الانتخابات المبكرة:

1- المسارعة لتوظيف التصريحات الإيجابية والمناخات الإعلامية حتى إعداد هذه المقال في تحسين العلاقة مع سورية، وذلك لكسب أكبر تأييد شعبي وخاصة في مناطق جنوب غرب تركيا، الرافضة لأي اعتداء تركي على سورية، فضلاً عن تداعيات ذلك في حالة حصوله بمعالجة ملف اللاجئين وتحسين الوضع الاقتصادي والأمني، وهو ما قد يفقد المعارضة التركية إحدى أوراقها الاستثمارية في الانتخابات المقبلة.

2- الاستفادة من تطور العلاقات الروسية التركية، والمتمثلة في منح الأولى لأنقرة ميزة تحولها لواجهة تصدير بخصوص موادها النفطية والغذائية، إلى جانب منحها هامشاً من الحركة السياسية والدبلوماسية في أداء دور الوسيط بينها وبين الغرب لمعالجة ملف الأزمة الأوكرانية.

3- التوجه نحو تصحيح العلاقات مع السعودية ومصر واستثمار ذلك في إطار الانتخابات العامة.

4- طرح مشروع القرن التركي أو ما عرف بالمئوية التركية التي تبناها الحزب الحاكم بالتزامن مع اقتراب انتهاء اتفاقية لوزان، وتقديم تركيا على أنها تحت هذا الحكم والنظام ستستعيد عظمة سلطنتها الراحلة.

من المؤكد أن أردوغان وحزبه كما سعوا من خلال افتعال الأزمات وكذلك المتاجرة والابتزاز بملف اللاجئين إلى جانب الاعتماد على الإرهاب لتحقيق مصالحهم الداخلية والإقليمية والدولية، إنهم لم يتوانوا عن استغلال كل الظروف للحفاظ على بقائهم في السلطة، بما في ذلك الذهاب خطوة للإمام لمفاجأة المعارضة التي تعاني من عدم التوافق على مرشح واحد وإن كان كمال كليتشدار أوغلو هو المرشح الأكثر حظاً لنيل الدعم، إلا أن أردوغان قد يضع المزيد من الصعوبات أو يتبنى المزيد من الإجراءات بما فيها تصفية الشخصيات أو اعتقالهم أو إيجاد وسيلة ما، لإبعادهم عن منافسته أو التخلص من خطرهم المؤكد على طموحه العثماني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن