قضايا وآراء

العقدة المعثّرة

| مازن جبور

تتلاحق الأنباء التي تشير إلى البدء بمسار الحل للأزمة السورية العالقة منذ ما يزيد على عقد من الزمن، أنباء من كل حدب وصوب من القوى الإقليمية والمحلية التي ناصبت سورية العداء على مدى السنوات السابقة، نبأ تلو الآخر يزداد أمل السوريين بالخلاص، أمل تعكره ذكرياته عن الأنباء السابقة للتقارب، والتي استبشروا فيها خيراً ثم ما لبثوا أن عانوا ويلات الأيام اللاحقة، نتيجة الغلاء ونقص المشتقات النفطية.

مع بدء الأنباء عن احتمالات تقارب سوري- تركي برعاية روسية، والتي تطورت لاحقاً إلى حوارات في العاصمة الروسية بين الجهات العسكرية والأمنية من البلدين، أُثيرت حفيظة العرب للتقارب مع دمشق، فكانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى سورية، وسط أنباء ذكرت أنه أتى حاملاً رسالة سعودية وعاد بالرد إلى الرياض، رسالة يبدو أنها إيجابية ولقيت رداً إيجابي، نظراً للتطورات اللاحقة، إذ أعلنت وزارة الخارجية السورية أن لا مانع سياسياً من الاستيراد من المملكة العربية السعودية، الأمر الذي تبعه قمة عربية مصغرة في الإمارات العربية المتحدة جمعت كل من أمير قطر وأمير الكويت والملك الأردني والرئيس المصري بالرئيس الإماراتي، شكل الملف السوري من حيث استعادة العلاقات مع دمشق وعودتها إلى العمل العربي المشترك صلب حديث الاجتماع، ويمكن التخمين بأن الإمارات أرادت وضعهم في تطورات هذا الملف، وتبين وجهة نظرهم منه.

في السياق ذاته تأتي تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان موضحة وبشكل علني للتقارب السوري السعودي، وبالتالي العربي، إذ أكد على أن الرياض وحلفاءها من العرب، أي مصر والأردن والإمارات وغيرهم، تعمل لإيجاد طريقة للتعامل مع الحكومة السورية، وذلك لإيجاد «حل سياسي» للحرب المستمرة منذ 12 عاماً، التصريح السعودي يعني أن هناك توافقاً عربياً على هذه الخطوة، وأنها باتت قاب قوسين أو أدنى، لكن ما تفاصيل الحل السياسي الذي يعملون على إيجاده؟ وخصوصاً أنه كان لافتاً فيما تناقلته وسائل الإعلام عن الوزير السعودي، أنه لم يأت على ذكر القرار الأممي 2254، وحديثه عن التعامل مع الحكومة السورية، هو اعتراف بشرعية النظام السياسي الحاكم، وفي المعلن والمضمر من الحديث إشارة إلى إسقاط ما يسمى المرحلة الانتقالية في الحل السياسي للأزمة السورية.

تمثل التناقضات بين الفاعلين الدوليين في الملف السوري، إحدى الثغرات الأساسية لتخفيف الضغوط عن سورية، وهو ما يمكن تفسير الخطوات العربية السابقة بناء عليه، إذ يمكن القول إن التقارب السوري التركي دفع العرب إلى التفكير ملياً بالعودة إلى دمشق، نظراً لمستوى التناقض بينهم وبين النظام التركي الحالي، سواء على مستوى الأيديولوجية الدينية أم على مستوى التنافس والتعاون الاقتصادي في الوقت ذاته، أو على مستوى الفاعلية السياسية في الإقليم وملفاته، وهي تناقضات يمكن الاستثمار فيها بشكل أكبر، كما يمكن الاستثمار في تناقضات فواعل دولية أخرى في الملف السوري، لتحقيق تقدم أكبر باتجاه إنهاء الحرب.

تبقى الولايات المتحدة الأميركية العقدة المعثّرة لأي جهود لحل الأزمة السورية، فهي التي أنهت أي بوادر للتقارب بين دمشق وكردها، خلال السنوات السابقة، وحتى اليوم، فمع الأنباء التي ظهرت عن تقارب كردي مع دمشق في مواجهة التقارب السوري التركي، وأن وفداً من «قوات سورية الديمقراطية – قسد» ومن «مجلس سورية الديمقراطية – مسد» يستعد لزيارة دمشق، لم تظهر أي أخبار لاحقة عنه، على العكس من ذلك هناك الكثير من الأنباء حول مساعي واشنطن لإقناع أنقرة بالعدول عن التقارب مع دمشق، ويبدو أن الكرد ينتظرون مساعي حليفهم الأميركي، وهذا الانتظار ليس في مصلحتهم، إذ إنه سيضعف موقفهم أمام دمشق إذا ما فشلت واشنطن في مساعيها مع أنقرة.

العقدة المعثّرة ذاتها، يخشى أن تظهر لقطع بوادر التقارب العربي مع دمشق، كما فعلت في محاولات تقارب سابقة، خصوصاً إبان عقد القمة العربية الأخيرة في الجزائر، وسط أجواء من التفاؤل بعودة سورية لشغل مقعدها في الجامعة العربية، وبانتظار ما ستؤول إليه تلك الأنباء والبوادر الإيجابية من نتائج عملية، يعيش السوريون أجواء تفاؤل حذر، على أمل الخروج من حالة الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن