ثقافة وفن

كل عام وأنت شآمي

| إسماعيل مروة

أيتها السامقة العالية
يا شامة الكون العظيمة
ايتها القديسة الطهورة
بحاراتك العظيمة القديمة
بحاراتك المتجددة
بدمي المنسرب انتظاراً على حجارتك
بحبي المرهق الذي يعلقني بك
بأهدابك
بجدائلك بأي لون كانت
بأي شكل كانت
إن كانت مسبلة على العنق المقدس
إن كانت ملتفة كخواتم سليمان
تتغلغل في الزوايا والحنايا
يعجز عنك الدمار يا شام
يلون شعرك ساعة
وتظهر غبطتك وأنت…
تمدين أصابعك… ينصهر العابد بك
يهم بالصلاة
وقبل أن ينهي وضوءه بدمعك
تغادرين… ويبقى يلوب بحثاً عنك
إشارة من شام تكفي
ليسفح العابد روحه على كل شامة
ليعبر من الأزقة الخلفية
يصعد إلى القمم والهضاب
وتشرئب القمة للاحتواء
لكن صوت الدمار يصل
والغمامة السوداء تغطي
يقدس العابد روحه بحجارتك
يعلن موعد أذانه
يدق أجراس صلاته
وفي كل حال أين منك نوتردام؟!
وأين منك الحجر المقدس؟!
أنت وحدك يا شام قداسة الروح
قداسة الطهر
أنت طهر المجدلية
أنت عفة البتول
في كل رمشة من رموشك حكاية
في كل شامة قصة لا تنتهي
وأنت تظنين انتهاء الحكاية!
نبيذ روحك لا ينضب
بكل لون يكون النبيذ
وعندما تسكبين
يكون دم الذبيح
دم الذبيح المقدس
دم إسماعيل المنذور
لن تصل نقطة من نبيذك إلى الأرض
سيرشفها بروحه
لأنها منك.. ولأنك شام
يغمس النبيذ بك
ويبدأ صلاة لا تنتهي
مع كل رشفة شام
ومع كل سكر صحو..
….
شام أيتها المعتقة على الزمن
سندس أنت.. استبرق أنت
جنان أنت.. نار أنت
ما أبدع الاحتراق بك
ما أبدع الموت سكراً على عتباتك
اختاري أنت موعد موته بك
أعلم أنك تريدين!
يعلم أنك تخططين لنهايته!
سعيد هو بنهايته بعد رشفة أخيرة
من نبيذ وروح!
لم يغادر يا شام
إنه على رصيفك يقبع
ينتظر كل نسمة من نسائمك
لتصل إلى روحه
ويعبّ سلاف نبيذك
ويغمض عينيه لكنه بك يصحو!
الدم ليس دمه
ونبيذك في دنان الذات
وخمرك لا يسكر
إنه النشوة
نشوة الروح الباقية!
شام الباقية
العام ينصرم وأنت تتمدين
الوقت يمضي وأنت حاضرة
النبيذ ينتهي وفمك يمنح
عباءتك السوداء تغطي وتحمي..
جدولك المنساب في القنوات يروي..
عطورك في بهارات دمشق تسكر
كل شيء فيك بقاء
كل دهرك سيد الدهور
على أعتابك يبقى العابد
ينتظر حياة.. ينتظر موتاً
يخرج صوته مبحوحاً بالألم
وتسرح روحه بالغد والأمل
سنوات من القحط
عام .. اثنان.. خمسة.. ستة أعوام
دهر مرّ وشام مجدلية الله
تفرد ضفائرها… تفرد ابتسامتها
تمنع رحيقها
تجود بأكثر منه
وما بين شاغورها وأمويها
تستنهض معاوية
تخرج مروان
تستصرخ ابن عبد العزيز
وتعلي أبا الدرداء
وأمام ترنيمة نزار تستلقي
لا تستوضح السببا
فالشوق غامر
وشام أيقونة للعشق
تأتي مع نسائم الصباح الحارة الباردة
تأتي مع الافتداء
تلوح نجماً في السماء
تغيب في المطلق
لكنها شام
هي الحقيقة الباقية
وكل عام وأنت شآمي

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن