… غفلة!
| غسان كامل ونوس
حين تميل إلى شخص، وتنحاز إلى أفكاره وأدائه، وتعطيه ثقتك، ثم تكتشف بعد وقت، يقصر أو يطول، أنه لا يستحقّ؛ سواء أكان أصابه تغيّر في أقواله أو سلوكه، بعد تبدّل في موقعه أو ظروفه، أو من دون حدوث ذلك؛ فإنّك لا شكّ تخيب، وقد تلوم نفسك، وسذاجتك، وغفلتك، واندفاعك، وحماستك، أو قد تعتب على من عرّفك إليه، وشجّعك على الاقتناع لتزكيته، أو مرافقته، أو متابعته… لكن؛ إن عدت إلى الحالة نفسها، مع الشخص ذاته، وبعد أن لاقيت منه ما لاقيت، وحكيت عنه، وبيّنت أخطاءه وارتكاباته بحقّك أو حقّ الآخرين؛ بعد إعلانه التوبة، وعودته إلى جادّة الصواب، وطلبه الصفح والغفران، أو تصريحاته المتمسكنة أنه لم يكن يعلم، والتجربة علّمته، ولن يعود إلى فعل ذلك؛ (وغالباً ما يكون هذا حين اقتراب استحقاق دوريّ، أو إشاعة تغيير وشيك)؛ واقتنعت بذلك؛ رقّ قلبك، أو اجتاحتك موجة إنسانية ليست في محلّها، ومنحته فرصة ثانية (وقد تكون أكثر، ولدورة كاملة)، بصوتك، أو سكوتك عنه على الأقلّ؛ (إذا لم نقل إنّك حالفته، أو أيّدته، وعملت له، وزيّنت ملامحه الكالحة!)؛ وعادت الجمار تصيب رأسك، بدل أن كان عليك أن توجّهها إلى رأسه، أو تمنعه من امتلاكها من جديد، أو تحاول ذلك على الأقلّ؛ فعليك أن تلوم نفسك فحسب، قبل أن تلوم الآخرين، وقبل أن تحكي عن الانحراف في السلوك، واستشراء الفساد، وافتقاد المسؤولين المخلصين العاملين لمصلحة البلاد والعباد؛ وتصبح مثل من يتلقّى عدداً من الصفعات على غفلة! فأنت من يتحمّل وزر ذلك، وأنت غير جدير بالتقويم، ولا باتّخاذ القرار الصحيح، ولا بحسن الاختيار، وعليك بمراجعة دقيقة وصارمة وجارحة لمسيرتك وإرادتك ومعاييرك…
الأمر ذاته يمكن أن يثار، فيما لو كانت من خيّبت الظنّ مجموعة وليست فرداً؛ لكنّ النفس –هنا- قد لا تستحقّ اللوم كلّه؛ لأن من غير المنطقيّ أن تتوقّع خروج عدد من الأشخاص في موقع واحد، وبموقف واحد، عن الطريق القويم، وينبتّوا عن الرؤى السليمة، يمكن أن يتّفقوا عليك، وأنت لست في خصومة معهم، أو ينفضّوا عن أنصارهم، أو مريديهم، ويتجاهلوا حقوق الجميع أو الأغلبية، ويتفرّغوا لمصالحهم؛ سواء أكانوا معيّنين أو منتخبين، متطوّعين أو مبادرين. لكنّ هذا للأسف يحدث، وقد يخيب ظنّك بحزب أو تيّار أو مجموعة عمل، أو شركة، أو مؤسّسة… يحدث هذا في السياسة، كما في المجتمع، والاقتصاد والدين؛ ويخيب ظنّك أيضاً بمثقّف أو مجموعة مثقّفين في مؤسّسة ثقافيّة، أو منبر ثقافيّ…
نعم يحدث هذا، أو يمكن أن يحدث؛ لأنّنا بشر أوّلاً، وختاماً ومتناً ومساراً. ولنا أهواء ونزوات وعواطف وميول وشراهة… وهذا هو الأهمّ، ولسنا ملائكة. إنّ هذا يفترض أن يجعلنا نتوقّع مثل ذلك، إن لم يكن اليوم؛ فبعد غد، وإن لم يكن في هذا المجال؛ ففي سواه؛ ولهذا كانت الثقة المطلقة خطلاً، والمبايعة كارثة، والقدسيّة مهلكة؛ ولهذا، كان لا بدّ من آليّات، تحدّ من إمكانية المسؤول بأي مستوى، المهيمن بأيّة درجة، الخروج على المعايير والقوانين، وتحدّ أيضاً من قدرته على تغييرها، حين تكون مسؤوليّته حمايتها وتطبيقها.
لكنّ ذلك كلّه يبقى بلا معنى، إذا لم نُشر إلى ذلك، إذا لم نعرف ما لنا وما لسوانا؛ ماحقّنا؟! وأين يذهب؟! ومن يأخذه؟! وبأيّ حقّ؟!
إنّ أوسع الآليّات الضابطة (الانتخابات مثلاً، قبل الرأي العام) تتعلّق بنا؛ فإذا ما تخلّينا عن دورنا فيها؛ فليس من المستبعد أن نتلقّى نتائجها الصادمة، التي قد تفقدنا الوعي، الذي لم نستثمره، والطاقة التي بدّدناها، في التسويغ والتهدئة والمواعظ والأقوال الحكيمة؛ فيما الفعل على الأرض مختلف عن ذلك كلّه.
ولات ساعة مندم!