سلع العقل أرخص البضائع في السوق … الصحفيون والكتاب يتقاضون أجوراً زهيدة فيما يحصل الممثلون على أرقام فلكية
| مرام جعفر
تقاس أهمية المجتمعات دائماً بإنتاجها الفكري وبما يقدمه المثقفون والكفاءات والقدرات العلمية والعملية في هذه المجتمعات، وعلى الرغم من غنى المجتمع السوري بأمثالهم وتحديداً أصحاب المهن الفكرية، إلا أن عملهم لم يحظَ بالاهتمام المطلوب للاستمرار بقوة، حتى إن أجور إنتاجهم لا تتناسب مع ما يقدمونه، ولم يسلم قطاع «المهن الفكرية» في الوقت الحاضر، من انعكاسات الوضع الاقتصادي الضاغط وازداد الأمر سوءاً… «الوطن» تضيء على مشكلة تدني أجور أبرز المهن الفكرية وأفق تحسينها.
أجور حبيسة القانون
يقول أحد الصحفيين العاملين في صحيفة محلية حكومية: إن «الدولة لم تستطع صنع إعلام غير مرتبط بالمؤسسة الرسمية أو الخاصة، ولا أن تقدّم خطاباً متسقاً، فكيف بالأجور الزهيدة مقارنة بأي حالة إعلامية أخرى؟
ويقارن الصحفي المختص بمجال الفن الحالة المحلية بأجور الدول المجاورة والتي تعيش ظروفاً اقتصادية مشابهة حيث قد يصل سعر مادة صحفية عندهم إلى ما يعادل مليون ليرة مقابل 20 ألف ليرة أعلى سعر قد يصل إليه أي منتج محلياً، مرجعاً ذلك إلى عدم وجود سوق لهذا المنتج الفكري فهو لا يتعدى الحبر على الورق عند الكثير.
كذلك تعتبر رئيسة قسم في إحدى الصحف المحلية الحكومية فضلّت عدم ذكر اسمها أنه لا يوجد رضى عن أجور الصحافة في القطاعين العام والخاص رغم أفضلية الأخير.
وأشارت الصحفية المهتمة بالشأن الاقتصادي إلى أن الأجر الذي يتقاضاه الصحفي لا يتناسب أبداً مع الجهد الذي يبذله في القطاعين نتيجة تكاليف متعددة «سواء النقل أم التواصل والإنترنت والجهد الفكري والجسدي للحصول على المعلومة وخاصة بالظروف الحالية».
وتقول: بالرغم من المحاولات في القطاع العام لزيادة أجور الصحفيين إلا أنها محاولات خجولة لزيادة ما يسمى « الاستكتاب» الذي قد يصل إلى مبلغ 45 ألف ليرة لرئيس قسم! أما المحرر الصحفي فلا يتجاوز استكتابه أي حجم عملة الإضافي الـ27 ألف ليرة.
وتقترح الصحفية الاقتصادية أن تتم معاملة العاملين في مجال الإعلام بأسلوب مختلف من حيث الأجر وتحريرهم من قانون العاملين بحيث يتم صرف المكافآت والحوافز والأجور بشكل مرن بما يتناسب مع الجهد المبذول، مشيرة إلى عزوف الكثير من الصحفيين عن تقديم مواد مهمة ونوعية بسبب تدني أجورهم.
نائب رئيس اتحاد الصحفيين رائدة وقاف تعتبر أن «العمل الصحفي يستنفد طاقة كبيرة ومجهوداً ذهنياً وبحثياً لدى كل من انخرط في هذه المهنة ناهيك عن الجهود المبذولة في المتابعات والتغطيات ومواكبة التدفق الهائل للمعلومات والأحداث والعمل الميداني المحفوف بالمخاطر».
وتقول لـ«الوطن»: لذلك يأمل الصحفيون بالوجود ضمن سياق مهني محفز من كل الجوانب وخاصة الأجور التي يعتبر معدلها منخفضاً مقارنة بما تتطلبه من وقت وجهد ومهارات من جهة، ومع متطلبات المعيشة من جهة أخرى، فمهنة الصحافة إضافة لكونها مقياساً لشخصية الصحفي وإبداعه وتميزه فهي مصدر رزقه.
وتؤكد وقاف أن «تحسين الظروف المادية للصحفيين هدف يسعى اتحاد الصحفيين لتحقيقه في العمل المستمر لتعديل طبيعة العمل الصحفي التي تشكل مبلغاً مالياً يكون بمنزلة بدل معيشة يضاف شهرياً إلى الراتب.
وعن مساعي الاتحاد لتحسين رواتب الصحفيين توضّح وقاف أن الاتحاد يعمل على رفع الراتب التقاعدي للصحفيين المنخفض جداً مقارنة بكل ما قدموه وبذلوه من جهود خلال سنوات خدمتهم وأيضاً مع الاحتياجات الصحية لكبار السن وما يرافق هذه المرحلة من أمراض ومتطلبات صحية. والعمل على توفير التأمين الصحي للصحفيين المتقاعدين. إضافة إلى تتبع أحوال أجور الصحفيين في القطاع الخاص بالنسبة لساعات العمل والجهود المبذولة والخبرة والتميز في العمل. أما الرواتب في القطاع العام فتخضع لقانون العاملين في الدولة.
وفي السياق ذاته أشارت وقاف إلى قانون الإعلام الجديد آملة أن يؤسس قيمة مضافة لأهمية العمل الصحفي كعمل فكري.
سطوة تجارية
يتفق بعض كتاب الدراما السوريين على فكرة واحدة وهي أن المنتج هو من يحدد سعر النص وفقاً لمصلحته ويعطي الأولوية للممثل والمخرج مع نص «ركيك يخلو من الإبداع».
الكاتب والصحفي سامر محمد إسماعيل يتحدث بتجرّد لـ «الوطن» ويقول: إن الأجور التي تدفع للكتاب في بلادنا مقابل كتابة مقال أو مسلسل أو مسرحية أو فيلم أو كتاب لا يرضى بها متسول. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على احتقار الفكر والكتابة.
ويتساءل إسماعيل: هل يعقل أن يأخذ الممثل 50 مليوناً عن عمل تلفزيوني والكاتب يأخذ أقل منه بألف ضعف؟، هل يعقل أن يدفعوا لكاتب مقال في جريدة أقل من خمسة آلاف ليرة؟ هل يعتقد هؤلاء أن الكاتب يعمل على سيخ شاورما ويكتب لهم في أوقات الفراغ؟
يضيف إسماعيل: أغلب النخب تم تهجيرها على مراحل وفي الخارج يعرفون أن صناعة النخب هي من أبرز الصناعات الثقيلة، وهي صناعة «ضاربة» لو تم الاستثمار فيها، لكن ما يحدث هو تعويم الأميين في الإعلام والصحافة والكتاب والمجلة وفي كتابة السيناريو.
ويشير إسماعيل إلى أن «مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني تنتج مسلسلاً يكلف مليار ليرة سورية والكاتب يأخذ عن المسلسل نفسه أجراً لا يتعدى أربعة ملايين ليرة سورية يقبضها على ثلاث دفعات!!».
الكاتب سليمان عبد العزيز يقول: إن أجور «كتاب الدراما» تتعلق بالأولويات حيث يفضل أغلب منتجي القطاع الخاص والعام الممثل والمخرج على كاتب النص ويميلون لإرضائه وجذبه على حساب الكاتب.
ويشير سليمان في هذا الشأن إلى ما هو شائع في الوسط الفني هذه الأيام وهو التعاقد مع كتاب لا يملكون خبرة وتجربة قائلاً «هناك استباحة للكتاب». حتى في القطاع الحكومي يمكن أن يتم اللجوء لكل الجهات لرفع أجر الممثل والمخرج ولكنهم يتغاضون عن تحسين أجر الكاتب!
ويضيف: لا أستغرب أن رأس المال لا يقدر القيمة الفكرية فالنصوص المطروحة كثيرة وسيئة وركيكة تخلو من الإبداع لكن احترام الكاتب وإخلاصه لموهبته هو الذي يدفعه للاستمرار.
ويوافق الكاتب خلدون قتلان زميله في طرحه ويقول: أعتقد أن السبب الرئيسي هو المنتج الذي يركز على السلعة ويبخس سعرها الأمر الذي سبب هذه الكارثة، هناك إقصاء للكتاب المهمين على حساب أشباه كتاب وهؤلاء يتقاضون أسعاراً رمزية لتحقيق ذواتهم.
يضيف قتلان: وليس ما يحصل هو فقط في قطاع الإنتاج الخاص حتى في العام وإلى حين اتخاذ قرار بتحسين أجور الكتاب تكون قد ظهرت حاجة جديدة لزيادة جديدة وذلك بسبب التآكل الاقتصادي الذي تعيشه البلاد ويشير هنا إلى أن سعر الحلقة لنص مهم لا يتجاوز الـ150 ألف ليرة.
وبرأي قتلان أن الحل هو أن يأتي إلى القطاع العام من يقدّم مشروعاً فنياً ويعمل بإخلاص بحيث يتقاضى كل شخص حقه في ظل سطوة التيار التجاري ويؤكد أن ما يحصل أحياناً هو إعمال الكاتب لفكره على حساب المال حفاظاً على حضوره واسمه ويقدّم التنازلات للاستمرار.
إبر تخدير
يرى عاملون في دائرة المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام أن أجور العمل الإضافي أو ما يسمى «استكتاباً» زهيدة جداً بالنسبة لعملهم الذي يتطلب تركيزاً عالياً حيث يكلّف كل منهم بتدقيق أكثر من 100 كتاب سنوياً مقابل 35 ألف ليرة «كاستكتاب» شهري بالإضافة إلى راتبهم المنصوص عليه وفق قانون العاملين أي يصل أجرهم تقريباً إلى حوالى 150 ألف ليرة.
ويقول هؤلاء الخريجون الجامعيون من مختلف الاختصاصات إنه لم يقدّم إليهم أي أحد شرحاً حول نسبة الحوافز التي سيحصلون عليها من المرسوم الأخير رقم 252 المتضمن النظام النموذجي للتحفيز الوظيفي للعاملين في الجهات العامة، مشيرين إلى أنهم قد أعلموا من إداراتهم أن نسبة حوافزهم تبلغ 150 بالمئة فقط! حسب كلامهم. ويؤكدون أن «إبر التخدير التي يسمونها علاوة ومكافأة لا تساوي جهد ساعة مبذولة».