اقتصاد

الدول كالناس: «معادن»!

| د. سعـد بساطـــة

تتسابق الدول –كما الأفراد– في تنافسية محمومة؛ وهنالك مجالات كثيرة كما لا يخفى -منها الناعـم-: الشطرنج؛ الموسيقا؛ الفوتبول؛ جوائز نوبل.. إلخ، ولكن وما أسلف به بيل كلينتون في اللوجو الانتخابي الخاص به؛ عـندما وضع يده عـلى الداء – في جملة قصيرة وقحة – (إنـّه الاقتصاد يا «غـبي»!).

والاقتصاد كما لا يخفى؛ منظومتان: خدمية (سياحة؛ بنوك؛ تأمين؛ شحن،)، وأخرى إنتاجية؛ تتربع عـلى سدتها الصناعـات التحويلية بعـناصرها المختلفة.. وضمنها المواد الأولية ؛ حيث للدول مزايا نسبية إذا أحسنت استثمارها تحوّلت إلى مزايا تنافسية..

من أهم المزايا أن يكون بلدك منجماً لفلز نادر وثمين؛ تتهافت الدول للحصول عـليه؛ كالكوبالت؛ الحديد؛ الفوسفات؛ النيكل النحاس إلخ.. ويبدو أن الصين بمساحتها الشاسعـة قد حباها المولى أن تستأثر ولفترة غـير قصيرة بوجود فلزات نادرة؛ مما أضفى عـلى اقتصادها مزيدا من القوة؛ عـلاوة عـلى المردود المالي بتصديرها؛ ولا ننسى ما يعـطي ذاك هيمنة لا يمكن إنكارها..! ولكن إلى متى؟

یصف خبراء العناصر النادرة بأنها «إكسیر الصناعات الحدیثة» لدخولها في جمیع التقنیات التي باتت أساسیة في الحیاة البشریة بما في ذلك تطبیقات الحواسیب والأجهزة والمعدات الطبیة وتقنیات الاتصالات وغیرها مما یجعلها من الخامات الأولیة المهمة بشدة ولاسيما على صعيد التنافس العالمي بالتكنولوجيا والصناعة.

والمعادن الأرضية النادرة هي مجموعة من 17 عنصراً كيميائياً تستخرج من قشرة الأرض، وتكمن ندرتها في محدودية الأماكن التي تستخرج منها؛ وتدخل تلك المعادن بصناعات متعددة، من المنتجات الطبية كعقاقير علاج مرض السرطان، إلى منتجات التكنولوجيا الفائقة والعتاد العسكري!

كانت الصين تهدد وبشكل متكرر بحظر تصدير المعادن النادرة، وتقول صحيفة «لوموند» الفرنسية إنها تستخدم ذلك وسيلةَ ضغط ناعمة (واسمحوا لي فأنا اختلف مع الصحيفة؛ وأقول «ليست ناعـمة إطلاقاً»)، فحسب الباحث جان ميشال بيزات إن الصين تستحوذ حالياً على 80 بالمئة من المعادن النادرة في العالم، وهي تشكل تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة، نظراً لأهمية تلك المعادن في عديد من الصناعات الحيوية الحديثة.

كما أنها تمتلك أكبر مصانع لمعالجة المعادن النادرة، فهي تحتكر قرابة نصف الاحتياطي العالمي للمعادن الأرضية النادرة، عام 2002 أغلقت الولايات المتحدة منجم «ماونتن باس» للمعادن النادرة في كاليفورنيا، الذي كان رمزاً لسيطرة الولايات المتحدة على إنتاج المعادن الحيوية لصناعة السيارات والاتصالات والطاقات المتجددة والتسليح، بسبب التكلفة ومخاطر التلوث، ولكن طاقته الإنتاجية لا تقارن بمناجم منطقة باوتو / منغوليا- الصين، التي يُطلق عليها «وادي سيليكون المعادن النادرة».

ولطالما هددت الصين بتقليص صادرات المعادن النادرة للولايات المتحدة، رداً على حظر شركة «هواوي»، وتخوض الصين هذا الصراع غير المسلح بكل هدوء وتفرض شروطها.

مؤخرا أشار تقرير دولي إلى أن تركيا دخلت منافسة بمجال العناصر الأرضية النادرة. وحسب صحيفة «تايمز» البريطانية، فالاكتشاف الجديد في تركيا سينهي احتكار بكين لهذه المواد المهمة التي تعتمد عليها الصناعات النظيفة وخاصة السيارات الكهربائية. وأضاف إن العناصر المكتشفة تشمل مجموعة من المعادن الحيوية لتخزين الطاقة البديلة، وقد تم اكتشافها بمدينة إسكيشهير «سهل الأناضول». وكمية الرواسب من هذه المواد النادرة 694 مليون طن، مما يعتبر أكبر احتياطي في العالم، مضيفاً إنها «ستكفي العالم لألف عام».

كما أعلنت مجموعة التعدين السويدية «LKAB»، أنها اكتشفت «أكبر حقل معروف» للفلزات الأرضية النادرة في أوروبا، في أقصى شمال السويد، لافتةً إلى أنه قد يحتوي على مئات ملايين الأطنان.

من أين أتت تلك المعـادن؟ تجيب دراسة حديثة عن جامعة كندية إن أغلب المعادن الثمينة في الأرض، ومنها الذهب والبلاتين والتيتانيوم والبلوتونيوم، تساقطت على كوكبنا بعد انفجار ثقب أسود أطلقوا عليه اسم «كولابسر»، بمعنى المنهار.

بالختام طرفة: سألت أحدهم: بم يملأ وقته بعد التقاعد؟

أجاب: أعمل معالجات مائية حرارية للألمنيوم والمعادن المختلفة والزجاج تحت بيئة مقيدة وبإشراف تخصصي.

الحقيقة أنني انبهرت؛ ولما سألت ابنه عن التفاصيل قال: ((أبي يقوم بـ«غسيل المواعين والصحون والأكواب بالماء الساخن.. تحت إشراف أمي!)).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن