من دفتر الوطن

دوافع.. ومبررات!

| فراس عزيز ديب

سمعتُ يوماً عن امرأةٍ خانت زوجها، مع مرورِ الوقت بدأت تشعرُ بالندم تحديداً أن زوجها لم يكن شريراً أو يسيء معاملتها، مع نوبات تعذيب الضمير قررت المرأة اللجوءَ إلى حكيمٍ طيِّب سمعت عن حكمتهِ ورصانته، بالفعل قصدت المرأة منزلَ الحكيم، دخلت إليه وهي مضطربة لكن وجههُ السمح جعلها تتجاوز ارتباكها بعد أن حصلت على وعدٍ منه بأن ماتقوله سيبقى بينهما وبعدما اعترفَت بخيانةِ زوجها سألها الحكيم:

ما الذي دفعكِ للقيام بهذا الفعل؟
بدأت المرأة تسرد قصتها، فهي امتعضت منه بعد اكتشافها أن أغلبية ما يملك هو جزء من ميراثٍ مع إخوته، كما أنه لا يملك القرار حتى في عملهِ لأنه يعمل عندَ والده، هذا التناقض جعلها تخرج عن طورها فقامت بهذا الفعل.
ابتسم الحكيم من جديد وقالَ لها: ما الذي دفعكِ للقيام بهذا الفعل؟
هنا قررت المرأة الاسترسال بالتفاصيل، حكَت عن تدخلات والدي زوجها بحياتِهما الشخصية، اشتكت من إلحاحِ والدته بسبب تأخرها بالإنجاب، اعتبرت أن ضعف شخصية زوجها وتردده أفقداها إحساساً برجولتهِ، عادَ الحكيم لتكرار السؤال ذاته:
ما الذي دفعكِ للقيام بهذا الفعل؟
هنا بدأت علامات الارتباك تظهر على هذهِ المرأة وهي تقول في نفسها، ألم يسمع كل ما قلته؟ لكنها قررت أن تلعبَ الورقة الأخيرة عندما أخبرت الحكيم بأن زوجها أصبح كثير العصبية بعدَ أن لسعتهُ أفعى في ساعده جعلته شبهَ مشلول الأصابع، أصبح يوبخها ويقلل احترامها.
مامن شيءٍ تغير بل إن الحكيم قاطعها بالابتسامة ذاتها قائلاً:
حتى الآن لم أحصل على جوابٍ لسؤالي، ما الذي دفعكِ للقيام بهذا الفعل؟
هنا خرجت المرأة عن طورها، صرخت بوجه الحكيم واصفة إياه بالأصم الذي لا يسمع أو الجاهل الذي لا يفهم، لأنه بعدَ كل ما ذكرته من أسباب يُعيد السؤال ذاته، عادَ الحكيم لابتسامته المعهودة رغم كل الكلام القاسي الذي سمعه وقال:
اعذريني، لستَ أصمَّ ولستُ جاهلاً لكن كل ما تقدمت به هي مبررات الفعل وليس السبب الذي دفعكِ للفعل، هناك فرقٌ شاسِع بين الدافع الذي يأتي قبلَ اتخاذ القرار والمبرِّر الذي يأتي بعده، قد أسرق لكي آكل، الجوع هنا دافع للفعل، لكن أن أسرق لكي أبني إمبراطورية مالية هنا سنوظف ملايين التبريرات التي ليس لها دافع مقنع أو مبرَّر، الفرق بين الدافع والتبرير أن الدافع يتعاطى مع كل المؤثرات سلبية كانت أم إيجابية، أما التبرير فهو يوظف ما يشاء من أحداث غالباً ما تكون صورتها قاتمة فقط لأنها تحقق هدف التبرير الذي يطمح إليه مطلقه.
في الخلاصة: حال هذا الحكيم مع هذه المرأة يشبه كثيراً حالنا، بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة، جميعنا يلهث نحو تبريراتٍ غير مقنعة ظناً منهُ بأنها دوافع منطقية، هناك من يدَّعي التصويب على الخطأ بأخطاء وكوارث أهمها غياب المصداقية لأنه يتجاهل تماماً كل ما يدحض رأيه، علماً أن كل ما يقوله قد يكون الطرف الآخر معترفاً به لكن حتى هذا الاعتراف يجري التعمية عليه لأنه لا يتوافق مع خطاباته الحماسية، هناكَ من يدافع عن المخطِئين بالمجيء بتبريرات منفصلة عن الواقع، لكنه في النهاية يتجاهل أن الخطأ لا يزال قائماً فما نفع الدفاع عن مرتكبيه؟ ربما لا نفع وبمعنى آخر بين هذا وذاك.. سورية لكِ الله.. والمخلصون من هذا الشعب!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن