مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والعامة التركية المزمع عقدها منتصف شهر حزيران المقبل، إن لم يتم التوجه نحو إجرائها بموعد مبكر مرجح أن تطرح في أيار حسب ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بما يتناسب مع مصالح حزب العدالة والتنمية، فإن المعارضة التركية وفي مقدمتها ما يعرف بــ«الطاولة السداسية»، لم تعلن بعد عن مرشحها للرئاسة، مما يطرح إشارات استفهام عديدة، على الرغم من أن أركان هذه الطاولة السداسية تدعي أن تأخيرها في انتقاء مرشحها هو تكتيك مقصود منها، غير أن المؤشرات تؤكد عكس ذلك نتيجة الخلافات المتزايدة بين رؤساء الأحزاب المنضوية تحتها.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتراجعة واتساع رقعة التهديد الأمني، وتراجع شعبية أردوغان وحزبه، بدأت الأحزاب الستة في اجتماعات تشاورية لترتيب أوراقها للاستحقاق المقبل، بسبب الخلافات والاختلافات بينها إلى جانب عوامل أخرى، وهو ما جعلها تبتعد عن تسمية نفسها بالتحالف، بل فضلت اختيار اسم «الطاولة السداسية» في تبني التشاور والتنسيق بشكل أكبر وبما يضمن التساوي بين أطرافها.
و«الطاولة السداسية» اختارت الشكل الدائري من دون أن يكون لها رئيس أو قائد، ونظمت اجتماعاتها الدورية حسب الترتيب الأبجدي لأسمائها، وعقدت حتى اعداد هذه المقال عشرة اجتماعات في إطار سعيها لترتيب أوراقها الانتخابية للفوز بالاستحقاق التركي، ورغم أنها قالت في بيانها الأخير إنها توافقت على المرحلة الانتقالية والبرنامج الحكومي المرتبطين بآلية وكيفية الانتقال من النظام الرئاسي للبرلماني في حال فازت، إلا أن مرشحها مازال ضمن إطار التجاذبات، وهو ما يمنح أردوغان وحزبه قدرة للاستعداد للانتخابات وكسب الوقت وسعيه لتعميق الخلاف بين أركان هذه المعارضة ومحاولة اختراقها، وإبعاد المعارضات الأخرى عنها.
يتنافس كل من رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس حزب «الشعب الجمهوري» كمال كليجدار أوغلو، واثنان آخران، أي أربع شخصيات من أصل ست، على مرشح الرئاسة للمعارضة، وهو ما يتطلب وقتاً لا يستهان به لإيجاد صيغة توافقية حول مرشح واحد.
وتتجلى صورة المنافسة في تصريحات علي باباجان بقوله: إنه «مرشح مناسب وقادر على الفوز» في الانتخابات إن رشحته الطاولة السداسية، وهو ما عده أحمد داود أوغلو أنه تحذير مبطن للأحزاب الكبرى في الطاولة السداسية.
الحديث عن سيناريو محتمل لعقد انتخابات مبكرة يجعل مقاربة الحرص على المشاركة الواسعة لدعم فرص العدالة والتنمية وأردوغان، وتلميح الأخير لذلك في ظل حالة الاستعصاء التوافقي الذي تعيشه المعارضة، سيجعلها أمام فرصة شهرين فقط منذ إعلان الانتخابات المبكرة، للتوافق على مرشحها والإعلان عنه والبدء بحملته الانتخابية، وهي مدة قصيرة نسبياً تفرض على الطاولة السداسية أن تصل لاختيارها في أقرب وقت ممكن قبل أن يتبنى البرلمان التركي قرار التوجه المبكر للانتخابات.
يبدو أن المعارضة التركية التي شكلت تحدياً في مرحلة معينة لحزب العدالة والتنمية ورئيس النظام أردوغان، تعاني اليوم تشرذماً في صفوفها، نتيجة الطمع بالسلطة وغياب التوافق، فالحديث عن مرشح المعارضة، ليس بالضرورة محصوراً بما ترشحه الطاولة السداسية، إذ إن هناك أحزاباً أخرى من المعارضة غير المنضوية في الطاولة الدائرية ستعلن عن مرشحيها، من بينها حزب الشعوب الديمقراطي الذي أعلن أنه بصدد ذلك، إلى جانب أحزاب أخرى صغيرة ولاسيما تلك المنشقة عن أحزاب كبيرة، إضافة إلى إصرار رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، على ترشيح نفسه، ووجود عدم توافق بين أركان الطاولة السداسية على ذلك، يجعل المعارضة التركية عموماً والسداسية خصوصاً أمام عدة احتمالات:
الاحتمال الأول هو إعلاء المصلحة العامة والمتمثلة في اقتناع زعيم المعارضة كليجدار أوغلو بعدم ترشيح نفسه وتقديم مرشح آخر مثل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو أنقرة منصور يافاش، نتيجة ضغط أطراف المعارضة الحليفة له وفي مقدمتها الحزب الجيد، أو نتيجة التأثر باستطلاعات الرأي التي تظهر أنه من أضعف الشخصيات المرشحة لمواجهة أردوغان، وقد يكون هناك شق آخر لهذا الاحتمال تتمثل في توافق الطاولة السداسية على مرشح واحد ولكن من خارج الأحزاب الستة، وهنا نكون أمام خيارين فرعيين: إما ترشيح شخصية سياسية قوية ومعروفة، مثل الرئيس الأسبق عبد اللـه غول ودعم جميع الأحزاب له، وهو ما يمكن أن ترجحه الأحزاب الصغيرة وخصوصاً المحافظة منها، في حين لن يرغب فيه الشعب الجمهوري، وإما ترشيح شخصية غير حزبية بلا طموح سياسي كبير بحيث تبقى خاضعة نسبياً للطاولة السداسية إن فازت.
الاحتمال الثاني تقديم المعارضة لأكثر من مرشح نتيجة عدم توافقها على مرشح وحيد، وهو ما سيجعل شعبيتها تتآكل في مقابل حفاظ أردوغان وحزبه على نسبتهم الشعبية التي قد تتراوح بين 39 إلى 44 بالمئة، وهو ما يصب في مصلحة أردوغان وسط وجود أكثر من مرشح معارض له في الانتخابات، الأمر الذي يعني انقساماً ليس فقط في الأحزاب المعارضة بل في الشارع المعارض الذي ستتشتت أصواته الانتخابية بما يقلل من تأثيرها.
المعارضة التركية أمام مفصل تاريخي ويجب أن تعي أن تنحية «العدالة والتنمية» عن المشهد السياسي تتطلب إرادة سياسية جامعة، واستمرار الخلاف وعدم نجاحها على التوافق سيشكل بداية انهيارها وانقسامها بشكل جذري.