كان نيكيتا خروتشوف، الزعيم الثالث للاتحاد السوفيتي الذي حكم في فترة صعبة وحرجة بين 1953 – 1964، بعد كل من فلاديمير لينين وجوزيف تسالين، هو أول زعيم شيوعي يزاح من السلطة وهو حي يرزق، إنه أول زعيم شيوعي يتقاعد.
لكن ما يهمني هنا هو كلمة شهيرة قالها وأضحت مصطلحاً سياسياً معتبراً، فقد قام خروتشوف بحل الإدارة الدولية للحركة الشيوعية في العالم فانتقده رفاقه قائلين إن الاتحاد السوفيتي خسر بذلك دور «الرأس» في هذه الحركة، فرد خروتشوف: «نعم، هذا أفضل فلم يأتنا من دور الرأس سوى وجع الرأس».
لعل الرئيس الأميركي جو بايدين يذكر هذه الجملة الشهيرة يومياً، إذ يبدو أن الرئيس الأميركي يتعرض لوجع رأس وصداع كبير من سلوك حلفائه وأتباعه في العالم، إضافة إلى وجع الرأس من المشاكل الداخلية التي عرضتُ بعضاً منها في مقالات سابقة في هذا المكان.
اليوم يتعرض بايدن إلى إشكالات مع أقرب أتباعه في مناطق متعددة من العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، فالسعودية تنسق مع روسيا في السياسة النفطية الدولية عبر منظمة «أوبك +» أي دول أوبك + روسيا، بل إن الرياض استضافت قمة عربية – صينية لأول مرة، والصين منافس ومعارض كبير للولايات المتحدة، وربما أهم ما سيوجع رأس بايدن هو موافقة سعودية على بيع الصين النفط بالإيوان أي بالعملة الصينية، فيما يعد ضربة موجعة لإستراتيجية البترودولار.
هناك وجع رأس أيضاً مع تركيا، حيث رفضت الولايات المتحدة تزويدها بالصواريخ والطائرات المتطورة فاستوردتها أنقرة من موسكو، وخاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعمل على «ملء الفراغ» الأميركي عند حلفاء واشنطن وأتباعها.
حتى مع إسرائيل يحتاج بايدن لبعض حبوب الصداع، فعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني مازال التابع الملتصق تماماً بالولايات المتحدة، إلا أن هناك اختلافاً في الأولويات في الشرق الأوسط، فإسرائيل أولويتها مواجهة إيران، والولايات المتحدة أولويتها القضية الأوكرانية وتوسيع الناتو شرقاً.
على الرغم من هذه الصدمات التي لا شك أنها توجع رأس بايدن، لكن دور أميركا وموقعها مازال قوياً في العالم، وهي لا شك الدولة الأقوى من النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية، لكن الاتجاه الواضح لحركة التاريخ هو إنهاء السيطرة القطبية الأحادية لأميركا مع بقائها القوة المسيطرة الأولى بالتأكيد، وهذا الاتجاه الواضح لحركة التاريخ هو الذي ينبغي أن يكون الهم الأول الموجع جداً لرأس بايدن ومن سيخلفه.